و غ
لم تكن فاجعة آسفي مجرد حادث عرضي عابر، بل مرآة قاسية تعكس اختلال ميزان القيم في هذا الوطن. امرأة بسيطة،خرجت تبحث عن لقمة عيشها من طين الأرض وعرق الجبين
انتهت غارقة في الوحل بينما نجا ـ كعادته ـ من باع الوطن قطعة قطعة، ووقف متفرجا على المأساة نظيف الثياب بارد الضمير.
صاحبة الفخار لم تطلب امتيازا، ولا صفقة، ولا رخصة مشبوهة. كل ما أرادته هو حقها في العيش الكريم، في فضاء آمن، وفي دولة ترى مواطنيها بعين اعتبار، لا بعين الإهمال. لكنها وجدت نفسها وحيدة في مواجهة الإهمال، أمام بنية تحتية مهترئة، ومؤسسات لا تتحرك إلا حين تهدد صورتها، لا حين تزهق الأرواح.
في الجهة الأخرى من المشهد، يقف “بائع الوطن”؛ ذاك الذي راكم الثروة من الصفقات العمومية، ومن تفويت الأراضي ومن الصمت المريب عن الفساد ينجو دائما، لا لأن القدر يحبه، بل لأن منظومة كاملة تحميه: قوانين مفصلة على المقاس، ومساطر تطيل المحاسبة حتى تموت الحقيقة مللا، وخطاب رسمي بارع في تمييع المسؤوليات.
فاجعة آسفي تطرح سؤالا مؤلما: لماذا يموت الفقراء بسهولة في هذا البلد؟ ولماذا ينجو المتسببون في المآسي بلا حتى اعتذار؟ كيف تتحول الضحية إلى رقم والجاني إلى “فاعل اقتصادي” أو “مسؤول سابق” يطوى ملفه بصمت؟
ليست المشكلة في المطر، ولا في الوحل، ولا في القدر. المشكلة في سياسة عمومية تعتبر الإنسان الهش تفصيلا غير مهم، وفي حكومة تتقن لغة الأرقام أكثر من لغة الكرامة، وفي مسؤولين يظهرون بعد الفاجعة لالتقاط الصور، ثم يختفون قبل أن يسألوا: من المسؤول؟
غرقت صاحبة الفخار، لأنها لم تجد دولة تمسك بيدها. نجا بائع الوطن، لأنه يعرف جيدا أين يضع قدميه وكيف يعبر فوق جثث البسطاء دون أن تتسخ حذاؤه.
وإلى أن يتغير هذا الميزان المختل، سيظل الوطن مكانا خطيرا على الفقراء فقط، فيما يظل آمنا… لمن باعوه.
