آخر الأخبار

عندما تُغتَصب الكفاءة وتُباع الشهادات: الجامعة في مفترق الطرق

في وقت يُفترض أن تكون فيه الجامعة قلعةً للعلم، ومختبرًا لصناعة النخب، تشهد بعض مؤسسات التعليم العالي في المغرب ما يشبه الانهيار القِيَمي، حيث تحوّلت الشهادات العليا من استحقاقٍ معرفي إلى سلعةٍ تُباع وتُشترى، أحيانًا بالنقود، وأحيانًا بالذل، في صفقاتٍ فاسدة تنسف جوهر المعرفة والعدالة.

مافيا الماستر والدكتوراه، أو “فراقشية الشهادات”، لم تَعُد مجرّد إشاعة أو استثناء. فهناك من يحصل على الشهادات دون حضور، ودون بحث علمي، بل بمجرد امتلاك علاقات أو القدرة على الدفع. وهنا لا نتحدث فقط عن الرشوة المالية، بل أيضًا عن الوجه الأكثر قبحًا للمأساة: الابتزاز الجنسي.

عندما تصبح الشهادة سلعة، يتحوّل الأستاذ إلى سمسار، وتتحوّل الجامعة إلى بورصة للامتيازات. طالبات يُساوَمن على أجسادهن من أجل نقطة، أو مقعد، أو شهادة. وأساتذة يفتَرِسون ما تبقّى من الثقة في الفضاء الجامعي، تحت ستار السلطة الأكاديمية. إنها خيانة مزدوجة: للعلم أولًا، وللإنسان ثانيًا.

هذه الانحرافات ليست مجرّد ممارسات فردية، بل هي مؤشر على غياب منظومة حوكمة حقيقية داخل التعليم العالي. فغياب الرقابة، وضعف المحاسبة، وانعدام الشفافية في مباريات الولوج، وغياب آليات التبليغ الآمن، كلها عوامل تسمح لهذا الفساد بأن يتمدّد.

النتيجة؟ تخريج أجيالٍ بشهادات غير مستحقّة، تعيش وهم الكفاءة، وتحتل مواقع حسّاسة في التعليم، والإدارة، والقضاء، بل وحتى السياسة. وهكذا لا نُنتج الفساد فحسب، بل نُشرعنه، ونكرّسه كقيمة اجتماعية جديدة: “الغاية تبرّر الوسيلة”.

والمفارقة أن الضحية لا يكون فقط الطالب أو الطالبة المغلوب على أمره أو أمرها، بل المجتمع برمّته، حين يجد نفسه محاطًا بأطر غير مؤهلة، وبقرارات تُبنى على الجهل، وبسياسات تُقاد من قِبَل من اشتروا الشهادات ولم يتعبوا في تحصيلها.

إن مواجهة هذا الوضع لا تقتصر على المتابعات القضائية، رغم ضرورتها، بل تتطلّب إعادة هيكلة المنظومة الجامعية بالكامل، من شروط الولوج، إلى تقييم الأداء، إلى الحوكمة المالية والإدارية. نحن بحاجة إلى لجان مستقلة، ونُظم شفّافة للانتقاء، وآليات صارمة لحماية الضحايا ومحاسبة المتورّطين.

لأن الشهادة التي تُمنح مقابل المال أو الجسد لا تقتل فقط روح الجامعة، بل تزرع قنبلة موقوتة في قلب الدولة. فالتعليم ليس رفاهًا، بل هو أساس العدالة الاجتماعية، وإذا ما سقط، سقطت معه كل دعائم البناء المجتمعي.