عمدة بالهاتف وأخرى بالأفعال: عندما تتحول مراكش إلى صندوق رسائل صوتية …
منصة واتساب للجماعات : تجربة مراكشية فريدة في التدبير عن بُعد
في زمنٍ صار فيه التواصل ركيزة الحكامة الحديثة، تُقدّم لنا تجربتا نبيلة الرميلي وفاطمة الزهراء المنصوري نموذجين متناقضين لقيادة المدن الكبرى في المغرب :
الأولى تتنقّل بين الأوراش، تتابع، تُخطط، وتُبادر.
أما الثانية، فتُسيّر جماعة مراكش بالهاتف، وتزور مقر الجماعة مرة كل ثلاثة أشهر كما لو كانت في زيارة بروتوكولية إلى متحفٍ إداريّ.
الرميلي: حضورٌ ميداني… وإنجازات على الأرض
حين تتحدث نبيلة الرميلي، لا تتحدث من برجٍ عاجي ولا من صالون فخم، بل من قلب أوراش الدار البيضاء.
حضورها الميداني صار عادة أسبوعية، تُوثّقها بالصوت والصورة على حساباتها في لينكدإن، إنستغرام، وتويتر، حيث تُقدّم نموذجًا جديدًا لعمدة متواصلة، تُخاطب المواطنين مباشرة وتُجيب على أسئلتهم بشفافية واحترافية.
حصيلتها واضحة بالأرقام والمشاريع:
• مشروع Tech Valley بسيدي عثمان، بشراكة مع CDG على ارض مملوكة لجماعة الدار البيضاء، يخلق أكثر من 20.000 منصب شغل.
• مشروع الوحدة الإفريقية الذي يرسخ البعد الاقتصادي للمدينة.
• مشروع سباتة الصناعي على مساحة 17 هكتارًا ثم اقتناءها من طرف المجلس الجماعي البيضاء لدعم المقاولات الشابة.
• المحج الملكي، المنتزه الحضري الذي يمتد على 40 كيلومترًا لإحياء وسط المدينة القديمة.
الرميلي لم تكتفِ بالتسيير اليومي، بل حوّلت الدار البيضاء إلى ورش إصلاحي مفتوح، في البنية التحتية، والنقل، والاقتصاد، والبيئة الحضرية.
المنصوري: عمدة عن بُعد… بلا حضور ولا تواصل
أما فاطمة الزهراء المنصوري، فاختارت أن تسير في طريقٍ آخر تمامًا، طريق الغياب المبرمج.
مدينة بحجم مراكش، القلب السياحي للمغرب، تُدار اليوم من الهاتف.
مكالمات تُرسل، وتعليمات تُبلّغ، وبلاغات تُنشر، بينما العمدة نفسها لا تطأ مقر الجماعة إلا مرة كل ثلاثة أشهر!
وكأنها تدير شركة افتراضية وليس مدينةً تتنفس.
بل إن السيدة العمدة لا تملك حتى حسابًا على موقع LinkedIn، المنصة الرسمية الاحترافية للمسؤولين عبر العالم، وكأنها لا ترغب في التواصل لا مع المواطنين ولا مع الفاعلين الاقتصاديين.
في المقابل، نجد نبيلة الرميلي حاضرة بقوة، توثق خطواتها، تعلن برامجها، وتدير المدينة بالتفاعل المباشر، بينما المنصوري تكتفي بإدارة الملفات عبر “الرسائل الصوتية” وكأن واتساب أصبح بوابة التدبير الجماعي لمراكش.
التجميل بدل التنمية
حين استضافت مراكش مؤتمر البنك وصندوق النقد الدوليين، لم تتغير المدينة إلا على مستوى الأرصفة والطلاء، وحين اقترب كأس إفريقيا للأمم، عاد المشهد نفسه:
ورش تجميل مؤقتة، رصيف يُعاد طلاؤه، وإنارة تُركّب ثم تُطفأ.
أين هي المشاريع التي تخلق فرص الشغل؟
أين هي العدالة المجالية التي تربط الحي الشعبي بالحي الراقي؟
لا وجود لها. فقط واجهة براقة تخفي هشاشة عميقة.
أما المشاريع التي تحدثت عنها المنصوري منذ 2021، فبقيت في خانة “الوعود”:
• مشروع مدينة الصناعة الفنية بسيدي غانم الذي رفضه الصناعيون.
• ومشروع مدينة الأعمال بباب دكالة الذي بقي رهين التصريحات الصحفية منذ خمس سنوات.
الدار البيضاء تبتكر… ومراكش تتجمّل
بينما تحولت الدار البيضاء إلى منصة اقتصادية حقيقية عبر مشاريع تكنولوجية وصناعية، ما تزال مراكش حبيسة منطق “الطلاء” و”الواجهة”.
الرميلي تشتغل على خلق الثروة ومناصب الشغل، والمنصوري تنشغل بـ”تجميل الصورة” لوسائل الإعلام.
والأدهى أن مداخيل مراكش السياحية — من الليالي الفندقية إلى الباركينغات — تفوق نظيراتها في الدار البيضاء، ومع ذلك لم تُترجم إلى أي دينامية اجتماعية أو استثمارية حقيقية.
الغياب أصبح استراتيجية
لم يعد غياب المنصوري عن مقر الجماعة مجرد تقصير، بل تحوّل إلى سياسةٍ مقصودة.
فحين تُدار مدينة تاريخية عبر الهاتف، وحين تُتخذ القرارات بالتعليمات لا بالمجالس، يصبح الحديث عن “التدبير الجماعي” نوعًا من النكتة الإدارية.
لقد ابتكرت السيدة المنصوري — دون أن تدري — نموذجًا جديدًا في التسيير المحلي :“الحكامة عبر المكالمات” بين من يشتغل… ومن يُشتغل عليه .
مدينة الدار البيضاء في عهد نبيلة الرميلي تعرف ثورة حقيقية في البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية.
أما مراكش المنصوري، فتعرف ثورة من نوع آخر: ثورة في الطلاء، واللا حضور، والبلاغات الصحفية التي تُنشر كما تُرسل الرسائل الصوتية.
سيدتي العمدة،
لقد فشلتي في تسيير مراكش، كما فشل الهاتف في أن يكون بديلاً عن الإرادة السياسية.
المدينة لا تُدار بالإشعارات، بل بالعمل الميداني والرؤية.
وإن كانت الدار البيضاء تبتكر المستقبل، فإن مراكش تنتظر مكالمة جديدة… لتبدأ من الصفر
من السياسة إلى المسؤولية
إن تجربة الدكتورة نبيلة الرميلي تُقدّم نموذجًا في ربط السياسة بالتنمية، وتُثبت أن الابتكار المحلي ليس رفاهية بل ضرورة، وأن المدن الكبرى لا تُدار بالتجميل بل بالتخطيط. أما السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، فقد أكدت من خلال إخفاقاتها المتتالية أن تسيير مدينة بحجم مراكش يحتاج إلى رؤية تتجاوز المنطق الاحتفالي والتسيير بالمناسبات.
رسالتنا للسيدة العمدة:
من فضلك سيدتي، لقد فشلتي فشلاً ذريعا في تسيير مدينة مراكش، فناهيك أن تكوني رئيسة لحكومة المونديال.
السياسة ليست تزيين الشوارع ولا إعادة طلاء الأرصفة، بل قدرة على بناء مستقبلٍ للناس.
إن كنتِ تحبين مدينتك حقًا، فانسحبي بكرامة، ودعي المجال لمن يملك رؤيةً لا مرآة.
