آخر الأخبار

علي حسن، مثقف عصامي متواضع و متمرد

إدريس الأندلسي

أجمع كل من عرف “علي حسن” الصحافي و المثقف، و العاشق للسينما، على أنه كان وفيا للقيم الثقافية التي تبني الفكر، و تساهم في ترقية الذوق، و لا تتسامح مع من يحملون ” الشعبوية و خطاب الحقيقة المطلقة ” للتوجه إلى الآخرين. يعرف الكل ذلك الهوس الجميل الذي جعل، هذا العزيز الذي رحل عنا بهدوء، و بكثير من التواضع، يحبب السينما للمغاربة مستعملا كلمات يحق وصفها ” بالسهل الممتنع”. أسلوبه بسيط و معرفته عميقة. كان حريصا أن تضم مكتبته السينمائية كل الأفلام. كان يحب تذكير أصدقاءه بلائحة طويلة من أمجاد السينما العالمية.
لا يمكن أن نستغني عن التذكير بهذا الذي قبل أن يحمل اسما مستعارا يعرفه من عرفوه.” علي حسن” رسم الجمال في الإذاعة المغربية الناطقة باللغة الفرنسية، و دخل قلوب عاشقي الفن السينمائي من خلال التمثيل، و النقد و التأريخ لكثير من الحكايات التي تحولت إلى أفلام، و سجلت إبداع مخرجين و ممثلين، و كثير من ممارسي المهن السينمائية. لا يمكن أن ننسى، نحن جيل، النوادي السينمائية، و مسرح الهواة، ذلك السائق الذي ذاق محنة السفر و هو يقود ” كاميو”، و يتعرض لكل عاديات الزمن المغربي. كان السائق ” علي حسن ” يؤدي دوره في فيلم ” إبن السبيل ” لمخرجه محمد عبد الرحمان التازي، بكثير من العفوية الدالة على فهمه العميق للواقع المغربي. و لعل الكثير من جيل السبعينات و الثمانيات يتذكرون ” سينما الخميس” و تلك المقدمة التحليلية التي كان يتميز بها الراحل علي حسن.
شاء القدر المهني أن أسعد بلقاء علي حسن خلال انطلاقة برنامج ديكريبتاج نهاية سنة 2014. كانت إذاعة امفم لصاحبها الإعلامي القدير كمال لحلو قد تعاقدت مع المحلل الرياضي، الأخ عزالدين اعمارة، على إنتاج برنامج انطلاقا من سلا. كلفني كمال لحلو بمتابعة انطلاقة البرنامج الجديد، و مراعاة الخط التحريري للإذاعة. إتفقنا على تسمية البرنامج ب” ديكريبتاج ” كترجمة لتفكيك الرسائل من خلال برنامج إذاعي. و كانت فرحتي كبيرة حين بدأت العمل مع الفريق الأول الذي كان يضم المنتج، أنذاك، عز الدين اعمارة، و علي حسن، و محمد الكر تيلي و عبد المالك النايلي و صحافي آخر لم أعد أذكر إسمه.
بدأ البرنامج رياضيا، لكن سرعان ما نضجت فكرة تحويله إلى مناقشة قضايا السياسة الرياضية، ثم انتقلنا إلى التطرق لكل السياسات العمومية. و هكذا أخذ البرنامج يغرس ثقافة جديدة في المشهد الإعلامي المغربي. و أتذكر كيف بدأ فريق العمل يتوسع ليضم أسماء كبيرة كنجيب السالمي، شفاه الله، و عزيز داودة، بالإضافة إلى مشاركات من طرف خبراء و مهتمين، و على رأسهم المرحوم عبد الخالق اللوزاني. و شاءت الأقدار و الظروف أن يعود إنتاج البرنامج إلى إذاعة امفم بعد أقل من سنتين على انطلاقه. و لا زال برنامج ديكريبتاج مستمرا إلى اليوم.
و أستمرت العلاقات الإنسانية و الفكرية و الفنية مع الراحل علي حسن. يؤكد كل الأصدقاء الذين واكبوا تجربة برنامج ديكريبتاج أن الراحل سكن قلوبهم بصراحته، و بقوة حبه للتفكير الحر و غير المنضبط لقواعد الكسل الفكري و لما يسمى بالمسلمات الفلسفية. قررت إذاعة طنجة قبل سنين قليلة أن تكرمه و تعرف الأجيال الجديدة بمساره المهني. دعاني للمشاركة صحبته في سهرة إذاعية و ذلك، و الله أعلم، بسبب نقاشاتنا التلفونية الليلية التي كانت تدوم لساعات. و أتذكر تقاسمنا لنفس الولع بالموسيقى العالمية، و خصوصا لرائعة ” كارمينا بورانا” لمبدعها ” كارل اولف ” . هاتفت الصديق عبد المالك النايلي لأقدم له العزاء في وفاة اخته، و قدمت له العزاء في صديقه في نفس اليوم، و صديقنا، علي حسن. و حكى لي أنه قال للراحل أنه ذاهب إلى وجدة، و أنه سيرجع بعد يومين. كان رد الراحل علي حسن يحمل نوعا من التوديع لصديقه. نلتقي إن أمكن ذلك. و لأنه سكن قلوب المحبين للثقافة بتواضع، فسيظل المثقفون المتواضعون، و غير المتباهين بالألقاب الأكاديمية ، يقدرون المثقف الراحل علي حسن. و إسمه العائلي محمد الوالي الذي كان يقضي عطلته الصيفية عند أحد أفراد الأسرة بالرباط. و كان يخصص هذه العطلة لزيارة الإذاعة التي احتضنته و هو يافع، فكبر في حضنها، و وهب قلبه و حياته للصحافة النبيلة.