لم تعد مظاهر الاحتفال بعاشوراء تقتصر على الطقوس التقليدية المعروفة من تبادل “الفاكية” والشموع والطبول، بل تحولت في العديد من الأحياء الشعبية إلى طقوس عنف مقنع، حيث تُضرم النيران في الأزقة، وتُشعل العجلات المطاطية، وتُقذف المفرقعات كأنها قذائف في ساحة معركة. فهل نحن أمام استمرار لتقاليد شعبية، أم أمام تعبير عن مكبوتات اجتماعية تُغلفها “الفرجة” وتُبيحها المناسبة؟
من زاوية أولى، يمكن اعتبار بعض هذه المظاهر امتدادًا لطقوس الفرجة الشعبية، خاصة في أوساط الأطفال والشباب الذين يرون فيها لحظة استثنائية للخروج من رتابة الحياة اليومية، وتكريسًا لمخيال الطفولة الجماعي الذي يحتفي بـ”بوجلود” و”الشعالة” و”عاشور”، وهي رموز لاحتفالات ذات جذور اجتماعية وثقافية.
لكن من زاوية ثانية، لا يمكن إنكار ما تحمله هذه الاحتفالات في بعض المناطق من تحوّل خطير نحو العنف: ترويع للمارة، إغلاق للشوارع، اعتداء على ممتلكات الغير، واستخدام مفرقعات خطرة تصل أحيانًا حد إلحاق الأذى الجسدي. هذا الانزياح في السلوك لا يمكن فصله عن واقع شبابي مأزوم: بطالة، انسداد آفاق، غياب مرافق للترفيه والتعبير، وتفكك أسري. فتصبح عاشوراء مناسبةً لانفجار الغضب وتفريغ التوتر الاجتماعي والنفسي المكبوت.
ما يجري في بعض أحياء المدن، خصوصًا في الهامش الحضري، يعكس أيضًا حالة تراجع في السلطة الرمزية للمدرسة، وللأسرة، وللدولة نفسها، التي تفقد تدريجيًا السيطرة الرمزية على الفضاء العام. فيغدو الشارع ملكًا مؤقتًا لشباب يشعر بالتهميش، ويعلن “وجوده” عبر إشعال النار، لا طلبًا للدفء، بل احتجاجًا صامتًا على برد الحياة.
إذن، هل نلوم عاشوراء، أم نحاسب أنفسنا كمجتمع لم يوفّر لشبابه إلا مناسبات العنف المتخفي في ثوب الاحتفال؟ أم أن ما يحدث ليس سوى مرآة لما نحن عليه: مجتمع يعيش توترًا بين التقاليد والانفجار الاجتماعي، بين الرغبة في الاحتفال والحاجة للتعبير عن ألم صامت؟
ربما الجواب الأصدق هو أن عاشوراء تحوّلت، في جزء منها، إلى طقس احتجاجي مقنّع… وما إشعال النار إلا تعبير رمزي عن حاجتنا الجماعية لإشعال الإنذار قبل أن يمتد الحريق إلى ما هو أعمق.