آخر الأخبار

طبول التملق… حين يصبح التطبيل مهنة تطغى على صوت الوطن

في زمنٍ اختلطت فيه القيم، وتبدّلت فيه الأدوار، لم يعُد غريبًا أن ترى من يُتقنون “الرقص السياسي” يتصدّرون المشهد. لا فرق بينهم وبين الراقصات على الخشبة، سوى أن هؤلاء يمارسون رقصهم تحت الأضواء، بينما أولئك يتقنون فن التملق في كواليس السلطة، يُطبّلون ويُزمّرون للمسؤولين، لا لشيءٍ سوى لنيل رضاهم، وربما لفتاتٍ من الكعكة.

المطبلون للمسؤولين أسوأ من الراقصات، لأن الراقصة – على الأقل – تمارس مهنتها علنًا، ولا تدّعي شيئًا غير ما تقوم به. أما أولئك، فيرتدون أقنعة الوطنية والشرف والغيرة على الوطن، بينما هم أول من يخون الحقيقة، ويضلل الرأي العام، ويبارك الفشل، ويمدح الرداءة، ويحوّل الانهيار إلى “إنجاز”.

ما الفرق بين راقصةٍ تلوّن جسدها بالأضواء والموسيقى، وكاتبٍ أو صحفي أو فنان أو مثقفٍ يلوّن كلماته بالمديح الكاذب؟ كلاهما يعرض شيئًا، الأولى تعرض الجسد، والآخر يعرض القلم أو الموقف أو الضمير في سوق النفاق.

يُفترض بمن يملك منبرًا أو موقعًا أو صوتًا أن يكون ضميرًا حيًّا، لا بوقًا للسلطة. لكن الواقع صار يعجّ بمن باعوا أنفسهم في سوق الولاءات، وفضّلوا الأمان الشخصي على المواجهة، فصاروا يُصفّقون للمسؤول حين يُهدر المال العام، ويمدحونه حين يُخرّب المدارس والمستشفيات، ويصنعون منه بطلًا حتى لو خذل شعبًا بأكمله.

الرقص لا يضر أحدًا، أما التطبيل فيُدمّر وطنًا. فالأمم لا تنهار بسبب الأعداء فقط، بل بسبب صمت الشرفاء وتواطؤ المطبلين.

الساكت عن الحق شيطان أخرس، لكن المطبل للباطل شيطان ناطق، يزرع الوهم، ويخدّر العقول، ويجمّل القبح.

نحن نعيش زمنًا يعلو فيه صوت الطبل، ويُقصى فيه من يصدح بالحقيقة. يُهان فيه الناقد، ويُكرَّم المادح، ويُمنح المقرّبون صكوك الولاء مقابل صمتٍ مدفوع الثمن.

فهل نحتاج إلى مزيدٍ من الراقصين؟ أم أننا بحاجة إلى من يكسر الطبل، ويعلن نهاية الموال؟ الجواب نعرفه جميعًا… لكن من يملك الجرأة ليقول: كفى؟