آخر الأخبار

صخب في زمن بؤس السياسة و السياسيين

إدريس الأندلسي

” ماركسيون على سنة الله و رسوله…و اشتراكيون على ملة الشيطان و جنوده”. مهزلة في سوق كلام خارج المسؤولية السياسية تؤذينا جميعا . هل هناك أهداف خفية وراء خلق أجواء مشحونة يتابعها المغاربة مباشرة، و عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
لن يجد أي مؤدب، و لا من لا زال يحمل ذرة إحترام للعمل السياسي، أي معنى إيجابي للصخب الذي عرفه مجلس النواب أخيرا. سمعنا كلاما يعبر عن عمق الخلل الذي يطبع تدبير السياسة في بلادنا. مضى زمن ذلك المستوى الثقافي الذي كان يتميز به كثير من نواب الأمة قبل سنوات. وزير يستخدم كلمات دون أن يزن كلامه، و يضعه في إطار ما تحتمه المسؤولية ، التي يفترض أنه يتحمل وزرها. هل ستمر كل الكلمات التي قيلت مرور الكرام، أم سيتخذ في حق ” مرتكبيها” ما يتوجب.
ما معنى أن يتهم حزب ، كان يقود الحكومة ، بأنه ممارساته تشبه ما يقوم به” مجلس قيادة الثورة”. و ما معنى أن يستمر رئيس الجلسة ” الاشتراكي ” في خلق مشاحنات في كل مرة يعتلي فيها منصة المجلس. لأول مرة يتم توجيه شتيمة قبيحة تستهدف” والد برلماني” من حزب العدالة و التنمية من طرف حامل حقيبة وزارية ثقيلة. و كان هذا الوالد من الفقهاء ذوي الافضال التربوية على أجيال ممن تلقوا دروسه. و يجب القول أن أي برلماني، كيفما كان لونه السياسي، لا يجب أن يستخدم في حقه أي كلام من هذا المستوى.
و مما زاد الطين بلة ذلك ” الاجتهاد ” البليد الذي خرج من فم رئيس جلسة ينتمي لحزب له تاريخ. لعل أرواح قيادات هذا الحزب تتألم على مستوى من يمثل البيت السابق للقوات الشعبية ، و من نعت من يوجدون مثله في المعارضة ” بالماركسيين على سنة الله و رسوله”. هل سيكون مرتاحا لو ردوا عليه” اشتراكيون على ملة الشيطان و جنوده”. و آنذاك سيكون برلماننا قد تفنن في تضييع الوقت في صنع كوميديا الشتائم. و قد نسمع مستقبلا ” علمانيون على سنة التطرف و جيوشه” أو ” ليبراليون على نهج ستالين و قيوده”. أظن أن هذا الجو المشحون يتجاوز البدء في حملات انتخابية قبل اوانها. الأمر قد يكون أكثر خطورة مما نتصور. المقصود قد يكون أكبر من مجرد تنافس، و قد يؤدي إلى خلط الأوراق، و الإسهام في زعزعة استقرار الوطن و ذلك عبر تشويه مؤسساته من الداخل.
و لا يمكن قراءة تدخلات كثير من السياسيين خارج إرادة في كسر علاقة المواطن بمؤسساته، و من ضمنها البرلمان. أكاد أشك في سبب تجاهل الكثير من هؤلاء الجالسين على كراسي المسؤوليات للتحديات التي يواجهها بلدنا سياسيا و اقتصاديا و دبلوماسيا ؛ و يمكن أن تسفر هذه الممارسات على اضعاف كبير لنسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة، و بالتالي ستشوش كثيرا على موقع المغرب إقليميا و دوليا . و قد تصبح هذه المشاركة ضعيفة إلى حد كفر كبير بكل الأحزاب و ” ممتهني السياسة” ، و خصوصا اؤلئك الذين يروجون لخطاب استحالة محاربة الفساد ، و تشبيه كشفه بوضع “العكر” على شفاه وزير. و قد بلغ السيل الزبى حيث نقل عن رئيس فريق برلماني ، يتوق حزبه إلى صنع شرعية افتراضية فشلت في صنعها أحزاب صنعت منذ 1963 ، أن إصلاح قطاع الصحة لن يتحقق و لو بعد 2037. بلادنا تعيش وسط محيط إقليمي صعب و متقلب يتطلب رجال دولة يقدرون مستقبلها، و ليس ” رجال سياسة ” لا يهتمون سوى بمستقبل أبنائهم فقط و حماية مصالحهم . حماية هذه المصالح أصبحت تبرر وجود تضارب المصالح، و تبيح الحصول على صفقات في قطاعات إستراتيجية كالمياه و الطاقة و غيرها في غياب إحترام شروط المنافسة.
بلادنا تحتاج إلى ” كراطة ” كبيرة ، وضامنة لسيادة القانون، كي تلحق كثيرا من المسؤولين المتهمين في قضايا فساد بزملائهم الذين يوجدون في ضيافة سجون البلاد . بلادنا يحتاج مواطنوها إلى الاطمئنان على عدم افلات المفسدين من العقاب. بلادنا يسكنها مغاربة يتمسكون بمقدساتهم، و بمؤسسة ملكية يعتبرونها سر مناعة موغلة في القدم. ثار الملك و الشعب ضد المستعمر سنة 1953، و لا زالت ثورة الملك و الشعب تخيف من لا يريدون ربط المسؤولية بالمحاسبة يوميا من طنجة إلى لكويرة.