آخر الأخبار

شيزوفرينيا الوطن مواطن يعتقل مواطن

شيزوفرينيا الوطن
يسكن في داخل كل مغربي شخصان متناحران: أحدهما يعشق أرض المغرب حدّ الجنون، والآخر يقضي يومه يرسم في ذهنه طلب الهجرة. وكأننا نحمل قلبين في صدر واحد: قلب يخفق بحب الوطن، وقلب يتوق إلى الرحيل عنه.
وحتى المغاربة في المهجر يعيشون الانقسام ذاته: مغربي يذوق طعم الكرامة في بلد يمنحه حق التعليم والرعاية الصحية بغير مذلة، ومغربي آخر يشتعل فيه الحنين كلما لمح علماً أحمر تتوسطه نجمة خضراء.
غير أن جيل اليوم لم يعد يحتمل هذا الانشطار: أن تحب الشيء وتفكر في الهروب منه في اللحظة ذاتها. إنها شيزوفرينيا تجعلنا كمن يحب زوجته وهو يخطط للطلاق منها في الآن نفسه! أي عبث أن نعانق تراب الوطن باليمين بينما نكتب طلب الهجرة باليسار؟
لسنا معدمين في الأرض ولا عاجزين عن الموارد… إنما نحن مفلسون في الوعي. ما نفتقده ليس الخبز بل الفهم، ولا الثروة بل الإرادة. فالغضب الذي يشتعل في عيون الشباب يمكن أن يكون وقوداً لتغيير تاريخي، لكنه يُسحق تحت ثقل منظومة تدفعه نحو التفاهة والسطحية والفرجة والاستهلاك والضوضاء.
الحل ليس في حب الوطن بالشعارات والهجرة بالفعل، بل في تحويل هذا الغضب إلى فعل مواطنة: مقاومة التسطـيح، مواجهة التجهيل، وصناعة نخبة من المصلحين لا قطيع من الفوضويين.
الوطن لا يبنى بالكلام، بل بالفعل اليومي والإصرار المستمر. أما أن نحب ونكره في اللحظة نفسها، فذلك ليس حباً ولا كرهاً… بل علة جماعية تستدعي علاجاً عميقاً، لعل أوانه قد حان.