آخر الأخبار

شطارة التقنوقراط وتدني الخطاب السياسي

إدريس المغلشي 

دعونا نتفق أولا أن النجاعة كمقتضى دستوري وكمدخل أساس للحكامة لاتتوقف على بلاغة الخطاب ولا تنميق الكلام وألا تتحول إلى شعارات تلهب منصات الجماهيرلتنال حصة الأسد من التصفيق والإعجاب .ليس لهذا الغرض أنشئت السياسة ولم يكن قط هذا هدفها الرئيسي بل تتكرز بالأساس على توافق الخطاب مع الواقع وانسجامه ووضوحه ليتمتع بقالبية تحويله بالسرعة الممكنة والمعقولة إلى اوراش عمل وانجازات تطمئن المستفيدين الذين ينتظرون تنفيذا وليس وعودا مؤجلة .
لاشك ان تدني مستوى الخطاب في اللحظة الراهنة على عدة مستويات مرده بالأساس ان اغلب مسؤولينا تولوا مناصب عبر صفقات لم تستحضر لا مواصفات الشروط المطلوبة ولا حتى إمكاناتهم الذاتية وهي تفوق مستواهم التدبيري خطاب لايطمئن المتتبع ولا يعطي الانطباع على الاقل أن المسؤول ملم بنوعية الملفات المطروحة على أنظاره بل قد نذهب بعيدا ان كثير من التصاريح المقدمة على هامش النقاش السياسي تبدو ركيكة في المبنى معطوبة في المعنى . لانشك لحظة ان مثل هذه الصور الكاريكاتورية تعيق الانطلاقة الجيدة للدراسة في فضاءاتنا التربوية بل يعتبرها بعض المتخصصين عملية هدر صامتة تأكل من العمر الزمني للمقرر الدراسي دون ان نلتفت إليها.خطورتها تتجلى في كونها تستهلك حق المتعلم في ضمان تمدرس جيد يحترم على الاقل انطلاقة الموسم الدراسي .لكن اغلب المشاكل التي تتكرر على رأس كل سنة دراسية تمركز القرار في إدارات تحتكر السلطة وترفض التفويض كآلية للتدبير اليومي من أجل تحرير المجال من قبضة المركز وهي معادلة ليست بالضرورة حديثة العهد بل ضاربة في اعماق التاريخ لكن تبدو بشكل واضح في الآونة الآخيرة أكثر إثارة للنقاش والجدل وتدفعنا لوضع سؤال مفصلي ألم يحن وقت تحرير التدبير المؤسساتي بالمجال ليأخذ المبادرة القادرة على طرح الاسئلة الآنية عوض الارتهان في قاعة الانتظار ؟ نظن جميعا أن زمن التعليمات قد ولى . وقد ادينا كلفته مضاعفة عطلت من سرعة التنفيذ وخرجنا من التجربة بحقيقة صادمة كلما ابتعدنا من العاصمة الإدارية تزدادوتيرة التنفيذ عطالة وتأخرا.
وأنا أستمع إلى السيد وزير التعليم يحكي عن بعض مشاكل المنظومة وهويسوق بعض الامثلة من باب العلم بالشيء. لاحظت ان طريقة الخطاب لاتعطي الانطباع اننا امام وزير ملم بقطاع التعليم بل امام باطرونا تدبر ورشة عمل لها بعض المشاكل تحتاج لتدخل تقني ينهي مهزلة توقف عابرة انعدم فيها القرار والمبادرة على حد سواء ،وليس امام قطاع التعليم له حساسية واولوية قصوى،انتقاء المفردات والكلام مشروط فيه تحقيق التحفيز والدفع نحو تحرير المبادرات عوض اللمز والهمز الذي قد يعطي إشارات عكسية وغير مطمئنة. خطاب الوزير سقط مرتين على الاقل في مطب وضعية (التنقاز ) كما سماها احد الظرفاء . المرة الاولى من حيث الكلام المرسل على عواهنه دون فرامل ولا حتى تفكير مسبق كما اتفق وأثره النفسي على المعنيين به والثانية غياب السند القانوني لماجاء في كلامه والمؤسس على النصوص والمذكرات والذي ينم عن جهل تام بملف تدبير. الربط بين راتب المدير وادواره يؤكد بما لايدع مجالا ان عقلية المسؤول تمتح من خلفية مقاولاتية حيث تعتمد على منطق تجاري بين الربح والخسارة وليس على مسؤولية إدارية وادوار تتلوها ترتيب جزاءات حسب مواقع التدبير .حين تصمت النصوص عن مضامين تفعيلها وتبقى مركونة في الرفوف وتتعطل القرارات لنعاين كثير من الأمثلة المشابهة لما سمعناه من الوزير في لجنة التعليم بمقر البرلمان فاعلم اننا لازلنا بعيدين كل البعد عن الحكامة وسرعة التنفيذ بمايضمن النجاعة المطلوبة .إننا نعيش زمن الشعبوية في ازهى مراحلها والتي تفتك بكل أرادات الإصلاح.