مولاي حفيظ القضوي
حضرتُ مثل الحاضرين جلسة التصويت على الميزانية الضخمة التي خُصصت لمدينة مراكش، تلك المدينة التي تستحق أن تُدار بعقولٍ تزن الأمور بميزان الحكمة والمسؤولية، لا بمنطق الغلبة . غير أن الحدث اللافت لم يكن حجم الأرقام ولا طبيوالمزايدةعة المشاريع، بل المشهد الغريب الذي حول القاعة إلى حلبة صراعٍ مفتوحة بين بعض الأعضاء، في مشهدٍ يُغني عن كل تعليق.
فمن كان يظن أن التصويت على ميزانية مدينة بحجم مراكش سيكشف إلى هذا الحدّ هشاشة المشهد الجماعي، ويعرّي التصدعات التي حاول البعض إخفاءها خلف الشعارات البراقة، فقد أدرك اليوم أن السحر انقلب على الساحر، وأن من دبّر الأمر في ليلٍ سياسيٍّ معتم، نسي أن “نية لعمى في عكازه”، وأن المسرحيات السياسية مهما أُتقنت حبكتها، لا تصمد طويلًا أمام أول اختبارٍ حقيقي.
لقد أبانت تلك المشاحنة بالملموس أن هناك خللًا في التسيير، وعجزًا في التدبير، وغيابًا لأبسط شروط الانسجام والاحترام المؤسسي. فكيف لمجلسٍ يُفترض فيه أن يكون نموذجًا في الانضباط والمسؤولية أن يتحول إلى مشهدٍ من الفوضى والتناحر؟ وكيف لميزانية تُقدّر بملايير الدراهم أن تُناقش في أجواءٍ كهذه، وكأننا أمام لعبة مصالح لا أكثر؟
هنا بالضبط يتجلّى الخلل ، فـ”الحساب الإداري السنوي” الذي نصّ عليه الميثاق الجماعي لسنة 1976 لم يكن مجرّد إجراء شكلي، بل كان صمام أمان للمساءلة والشفافية داخل المجالس المنتخبة. لكن بعدما تم استبداله بالقوانين التنظيمية الجديدة، بدأنا نرى ممارسات هجينة تتغذّى على تراكمات من التسيّب والالتفاف على روح الحكامة. وهكذا تحوّل ما كان أداة للمحاسبة إلى مسرح للتبرير وتبادل الاتهامات، في مشهد يختزل كيف ضاعت البوصلة بين منطق التسيير ومنطق التبرير.
والأدهى من كل ذلك، غياب السيدة العمدة عن الجلسة، وكأنها غير معنية بما يحدث، أو كأن الحضور من باب المجاملة لا من باب المسؤولية. فهل يُعقل أن تُناقش ميزانية بهذا الحجم دون حضور من يفترض فيها أن تكون في قلب القرار؟ وهل يليق بمدينةٍ بحجم مراكش أن يُترك أمرها هكذا بين أيدي من فقدوا بوصلة التوافق والتدبير الرشيد؟
إن ما جرى في تلك الجلسة لم يكن حادثًا عابرًا، بل مؤشرًا خطيرًا على واقعٍ يحتاج إلى وقفة تأمل ومساءلة. لأن ما خفي أعظم، ولأن مراكش التي صبرت كثيرًا على العبث الإداري، تستحق من أبنائها من يضع مصلحتها فوق كل اعتبار، لا من يجعلها ساحة لتجريب الحسابات السياسية الرخيصة.
