رسالة لفتيت إلى الولاة و العمال، وضوح و شمولية و تقييم
هل فتح الباب لطي صفحة اخنوش
إدريس الأندلسي
فتح خطاب العرش الباب أمام محاسبة شفافة، ننتظرها مند مدة، لحكومة تتشفى في المواطنين بكل ما اؤتيت من وسائل. قال ملك البلاد، بلسان صدق، ما كان منتظرا منه كقائد للأمة، و كراعي لحقوق المواطنين في العيش الكريم. وضع أصبعه على مكامن الداء، و ركز على التشغيل و الصحة و التعليم و الولوج إلى الخدمات الأساسية.
وجه وزير الداخلية رسائل واضحة إلى الولاة و العمال، و أكد أن العمل على تنزيل مضامين الخطاب الملكي يبدأ اليوم، و بمنهجية تشاركية و تفاعلية، و جديدة من خلال ” جيل جديد من البرامج المندمجة للتنمية الترابية”. يتبين من قراءة الرسالة أن هناك ملامح ” دخول مرحلة جديدة” ، و أكثر من هذا، أن الكيل قد فاض، بعد سنوات حكومية افتقدت البوصلة في التوجه إلى تحقيق برنامج حكومي، كان انتخابيا أكثر من اللازم. و وصل أوج صناعته إلى مشهد كوميدي طلب خلاله، رئيس مجلس النواب، الطالبي العلمي، من المغاربة أن ” يرموه بالحجارة ” ان لم يتم تحقيق وعود حزبه ،الذي يرأسه السيد عزيز اخنوش. يجب التأكيد للسيد رئيس مجلس النواب، أن المغاربة الأحرار، و ضمنهم كثير لا ينتمون لحزب، لأنهم ينتمون لوطنهم أولا، لا يرمون الناس بالحجارة. و لكنهم يريدون محاسبة المسؤول السياسي، و لا يريدون أن يعيدوا ” الترابي” لمن يدبر الشأن العام. يريدون أن يخضع للقانون، و ان يبتعد عنهم.
كانت توجيهات الوزير لفتيت كثيرة الرسائل الدقيقة، و غنية بتقييم الأداء الحكومي عشية مرحلة انتخابية، تتطلب الحذر من إستغلال المواقع و التموقعات ، و كل الأفعال الانتهازية التي أنتجت الواقع المعيشي الصعب للمواطنين المغاربة . قال عظماء صنع البلاغة اللغوية أن ” بضدها تتميز الأشياء “. و تحمل رسالة وزير الداخلية محاور تبين النقائص الجوهرية من خلال محاورها الأربعة التي سينكب عليها المسؤولون الكبار في الإدارة الترابية.
تتضمن هذه المحاور، التي ستشكل البرامج المندمجة الجديدة للتنمية الترابية ، تنمية التشغيل باليات جديدة من خلال استنباط الوسائل التي يتيحها المجال الترابي و إمكانيات كل منطقة. و يعكس هذا المحور الفشل الذي تسببت فيه البرامج الحكومية الذي كانت مليئة بالوعود، و التي اوصلتنا إلى معدل بطالة يجاور 12 % . و يؤكد المحور الثاني على تقوية الخدمات الإجتماعية الأساسية. و هو ما يعني أن هذه الخدمات لم تتميز الا بضعفها خلال السنين الأخيرة. يكفي أن نذكر بالحالة التي يوجد عليها التعليم و الصحة، للتأكيد على أن كرامة الكثير من المواطنين قد عرضتها كثير من السياسات الحكومية للتدهور. و لا زالت مكامن ضعف العدالة الإجتماعية و المجالية جاثمة على صدر الكثير من المواطنين، و مترجمة لضعف تحويل الوعود الانتخابية و تلك التي تضمنها البرنامج الحكومي إلى فعل في الواقع.
و تؤكد مضامن المحورين الثالث و الرابع على ضرورة التدبير الاستباقي و المستدام للموارد المائية، و على ترقية مستوى التنمية الترابي و المندمج في علاقته بالمشاريع الوطنية الكبرى التي توجد قيد الإنجاز. و يعكس هاذان التوجيهان غياب التدبير الاستباقي في مجال حيوي كالماء و غياب آثار المشاريع الكبرى على محيطها الترابي القريب و البعيد. و وجب التذكير بأن عنصر ” تأثير الإستثمار العمومي على محيطة منطقة إنجازه ” ، يعتبر أهم عنصر لتقييم آثاره. و هذه ابجديات التخطيط الإقتصادي، و طرق تحليل المردودية الإقتصادية، و ليس المالية فقط.
سيكون لهذه الرسالة التوجيهية التي وقعها وزير الداخلية ما بعدها. سيضطر كل الوزراء إلى تحرير عمل ممثليها في الجهات و العمالات و الأقاليم لكي يساهموا بالفعل في تدبير البرامج الجديدة التي سيشرف على الولاة و العمال. سيجد زعماء الأغلبية الحكومية أنفسهم ، وعلى رأسهم، عزيز اخنوش، في طريق ضيقة لا تتيح غير أداء المهام العادية بعيدا عن إمكانية التأثير السياسي عبر إستغلال المناصب، و عبر التحكم في قرار توزيع المال العام.
تحتم الآثار المنتظرة من هذه الرسالة التوجيهية إعادة التفكير في مقاييس قبول الترشيحات للوصول إلى كل المجالس الانتخابية. لقد مل المواطنون المغاربة الفوضى التي تسيطر على ” سوق الفوضى و التسيب ” التي لا يمكن أن نصفها بالسياسية، و لنبل السياسة كقواعد لا يمكن أن يتقيد بها ” الأمي و لو كان شريفا، و ضعيف الكفاءة، و صاحب السوابق، و الكذاب الذي يزيد في كذبة عشية كل الانتخابات”. و هذا ما يحتم مراجعة جوهرية للقوانين التنظيمية للانتخابات.
و يبقى من الضروري أن نشير إلى أن هذه الرسالة كانت ستكون أكثر إيضاحا لو ركزت على عاملين مهمين و أساسيين. يتعلق الأول بمنهجية متابعة التنفيذ ، و الثاني بالتقييم و المحاسبة. و يعتبر وجود هذان العنصران مطابقا للدستور، و في قلب الحكامة الجيدة التي ركز عليها تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد. و يبقى أن يجتهد ” المعول عليهم” ، و هم الولاة و العمال ، و أن يكونوا في الموعد و أن يتسلحوا بالكفاءات المنضبطة للقانون، لكي يتم بلوغ الغايات.
رسالة لفتيت إلى الولاة و العمال، وضوح و شمولية و تقييم
