آخر الأخبار

ذُبحت الأضحية وسقط الوالي… فهل تُحاسَب المؤسسة الدينية؟

قبل أسابيع من عيد الأضحى الأخير، وفي سياق اقتصادي واجتماعي دقيق، أصدر الديوان الملكي بلاغًا أعلن فيه جلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرًا للمؤمنين، قراره إلغاء شعيرة الذبح لهذا العام، وتكفله بها نيابة عن شعبه، تأسّيًا بجده المصطفى ﷺ، وتعبيرًا عن التضامن مع المواطنين في ظل الغلاء ونقص القطيع. كان بلاغًا واضحًا وذو دلالة دينية ووطنية عميقة، التزم به المغاربة من مختلف الشرائح باعتباره توجيهًا ملكيًا يسمو على كل اجتهاد فردي أو تأويل محلي.

غير أن جهة مراكش شهدت واقعة مثيرة للجدل، حين أقدم الإمام المكلّف بخطبة العيد، بتكليف رسمي من المجلس العلمي المحلي، على ذبح أضحية باسم الجهة، في حضور رسمي لوالي الجهة ومسؤولين آخرين. الواقعة التي وُثّقت بالصوت والصورة، لم تكن تصرفًا عفويًا معزولًا، بل بدت وكأنها مشهد مدبّر يحمل طابعًا مؤسساتيًا، ويتعارض صراحة مع البلاغ الملكي ومقاصده الرمزية.

ما زاد من حدة التساؤلات، أن الأضحية نُقلت على متن سيارة للوقاية المدنية، ما يُشير إلى وجود استعداد مسبق أو تنسيق ضمني، أو في الحد الأدنى، غياب تام للحس السياسي والوعي الرمزي الواجب في مثل هذه المناسبات الوطنية ذات البعد الديني.

ورغم خطورة ما حدث، اقتصر ردّ الفعل الرسمي على إعفاء والي الجهة، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، دون مساءلة فعلية للمسؤولين الحقيقيين عن الواقعة. فقد بقي الإمام الذي ألقى الخطبة وذبح الأضحية في مكانه، كما لم تُفتح أي مساءلة رسمية في حق المجلس العلمي المحلي، الجهة التي كلفته، ولا في حق المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية، التي يفترض أن تكون على اطلاع بمثل هذه الإجراءات.

الأمر لم يتوقف عند ذلك، إذ لم تُطرح أي أسئلة حول دور مدير ديوان الوالي، والمكلفين بالبروتوكول، أو مسؤولي قسم الشؤون الداخلية، الكل بقي في موقعه وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن ما وقع لا يستحق تحقيقًا أو حتى توضيحًا للرأي العام.

إن ما حدث في مراكش لا يمكن اختزاله في خطأ فردي أو خلل بروتوكولي، بل هو تعبير صريح عن ضعف في احترام تراتبية القرار، واستهانة بمضمون بلاغ ملكي يحمل رمزية خاصة تتعلق بإمارة المؤمنين. حين تُقابَل توجيهات سامية بفعل مضاد من مؤسسة دينية رسمية، وتُنفّذ تحت أعين ممثلي السلطة، فذلك يُعدّ مسًّا بهيبة القرار، ويستوجب محاسبة تتجاوز مجرد الإعفاءات الشكلية.

اليوم، لا ينتظر المواطن بلاغات غامضة ولا قرارات ارتجالية، بل يطالب بإجابات واضحة: من نسّق هذا السلوك؟ من أمر بإحضار الأضحية؟ من وافق على الذبح؟ ومن تغاضى عن خرق واضح لتوجيه ملكي؟ ما وقع لم يكن مجرد نحر لشاة، بل نُحرت معه هيبة القرار، وسقطت معه ثقة المواطن في جدية المحاسبة، بينما بقيت المؤسسة الدينية، إلى حدود الساعة، بمنأى عن أي مساءلة.

وإن لم يُفتح تحقيق شفاف وشامل يُحدّد المسؤوليات بدقة، فإن الواقعة ستُسجَّل كسابقة خطيرة، تُهدد باستمرار منطق الاجتهاد الشخصي في مواجهة التوجيهات العليا، وتُكرّس شعورًا متزايدًا لدى المواطن بأن الحساب لا يطال الجميع، وأن الخطوط الحمراء تُرسم وفق درجات النفوذ، لا مرجعية الدستور أو سلطة إمارة المؤمنين.