حسن الرحيبي
أو مَغاربَة متديّنون بعُمق وعَفوية وإخلَاص ..وبحِكمَة وتَبصّر وإدراك للمصَالح ووَعي بالمَقاصد الشّرعية بدون تشدّد ولا تكلف ولا تطرّف !
إسلام المَغاربة المَتين والبَسيط ، بلاَ إفراط ولا تفريط ..تَسامح واعتدال ووَسَطية أصيلَة ومتميّزة لَا مَجال فيها للكرَاهية والتطرّف والتشدّد القادم من الشّرق بتأثير من الوَهّابية الغريبة عن عاداتنا وتفكيرنا وثقافتنا المُتأصّلة .. ولاَ ادّعاء الإعجاز والخوَارق الخُرافية ودجَل المُشعوِذين .. ولا يُحرّمون أو يحلّلون حسَب أهوائهم ، ولا يتّهمون أو يحتقرون فرداً من جَماعتهم المُتماسكة بالإلحَاد ، أو ينبذون عاداتنا الثقافية من فولكلور وفنون وموسيقىٰ شعبية ، واحتفاء بأضرحة أسلافنا العلماء الزهاد المتصَوفين .. بشكل مجّاني تافه لا يقدّر عُمق وأصَالة ثقافتنا وتراثنا المُمتدة جذوره عبر تاريخ عَريق سَابق على الدّيانات والعقائد المستوردة برمّتها ..ولا يفرضُون اعتقاداتهم بطريقة متعسّفة وعَنيفة على الآخرين ..بل يقبلون الاختلاف والتّنوّع والتعدّد من منطلق مبدأ : لكم دينكم ولي دين ، ولا إكراهَ في الدّين ، فذكّر إنّما أنتَ مُذكّر ، لستَ عليهم بمُسَيطر ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يرَه .. ومن منطلق مبدأ :
كل شَا تتعللّݣ مَن كراعها !
ولا سَوْق الأبرياء إلى المَحاكم بدعوىٰ الإفطار العلَني في رمضَان من عُمق البيوت ، أو نحو مكاتب الشّرطة .. مع تخصيص « عريفات » لفحص النساء منهم هل يحقّ لهنّ الإفطار في النّهار الݣهّار لأنهن مُصَابات بالعادة الشّهرية الطّبيعية ، أو « حَقّ الشّهَر » .. وكأننا عدنا القهقرىٰ لعهود محاكم التّفتيش ، وأحزمة العفّة ، les ceintures de chasteté وقمع الاختلاف l’inquisition … فالمغاربة عَرفوا دائماً حقوقهم ووَاجباتهم قبل آلاف السّنين من ظهور ما يدّعون تسميته عن غير حقّ بدَولة الحق والقانون المَكذوب والمأسوف عليها !
يا أمّةً ضَحِكت من جَهلها الأمَم !
عِلمانيتنا une laïcité عَفوية وتِلقائية spontanée متأصّلة ومُترسّخة ..تترك الدّين للّه بشكل اختياري حُرّ ، والسّياسة للمَصَالح الدّنيوية المَشروعة بدون مزج ولا خلط ولا تعسّف ..لقد وُلدنا في دوّار أنجب علماء كبار وحافظين .. من أمثال أبي شعيب الدّكالي والفقيه السّطاهر بن حمّو وسي احمد ولد سي القُرشي حافظ مُختصَر الشّيخ خليل للفقه المَالكي عن ظهر قلب .. كانت النساء تسألهن حين ينافن صُوف نعجة نافقة ، أو حين تستدعيهن الضّرورة لا رتكاب بعض المعاصي البسيطة .. فيجيزون لخم ذلك .. بل بعضُهم كان يضرب التّنفيحة والتّدريحة والتّقصيصَة .. ويعتبرون أنفيهم مؤمنين يجوز لهم الإفتَاء في النوَازل والطوَاريء ..لم يحرّموا الغناء والمُوسيقىٰ رغم سلَفيتهم ، كانت الشّيخات فيه تؤثّث المناسبات وينصبون خيمتهم بالقرب من المَسجد دون أن يستنكر أحدٌ ذلك ..بل يقوم البعضُ للصّلاَة ، وينتظرهم البعضُ الآخر حتى ينتهوا ويستأنفوا اللّعب معهم الكارطة أو الضّامَة ، أو الاستمتاع ببعض اللّهو والطرب ، وشيخات خنيفرة .. بدون أحكام مسبقة ، أو حَزازَات أو مغالاة في التشدّد بالقول :
الصّلاة عماد الدّين
أو من صَللّىٰ وقطَع
من جهنّم مَا يطلع !
بل شعارهم العَفوي كان دائماً :
كلّ شَا تتعلّݣ من كرَاعها كما سبق الذّكر !
فالإيمان كان دائماً ليس المبالغة والمغالاة والإيغال في التّظاهر ، بمظاهر ومسوح الرّهبان ، لأن الجَميع يعرف بثقة ويقين ، أن الثياب والمظاهر لا تصنع التّقي أو الرّاهب l’habit ne fait pas le moine ، وكذلك إطلاق اللّحي على عَواهنها منسبلة ، ومنسدلة ..بل الدين الحقيقي ما ينطبع على السّلوك من تواضُع واستعداد للتعاون والأخذ بيد الضّعيف ، والنصَائح القويمة ، وسن الأعمال الخيرية والجماعية كما كان يفعل أجدادنا التّويزة ، لبناء مسكن فقير ، أو حصد فدّان يتامى ، أو إتمام منسج فقراء ضُعفاء عدَم .. ابتداءً من جمع للصّوف والغزل حتى التّݣراج النّهَائي ، أو حرث أرض فقير مسكين فاته الإبّان ..وليس استغلال ضُعف اليتامىٰ ، للاستحوَاذ على حقوقهم ، أو هشَاشة حُرمات بتلطيخ سمعتهن ، أو إفراغ مكبوتاتهم ، وقذر طهارتهن وهتك حيائهن وأعرَاضهن …
حسَن الرّحيبي..
