آخر الأخبار

دعم الفلاحين بعيون الدولة… وليس بجيوب الشناقة

في مشهد سياسي نادر الوضوح، وجّه الملك محمد السادس ضربة موجعة لرئيس الحكومة ووزير الفلاحة عزيز أخنوش، بعد أن قرر خلال المجلس الوزاري الأخير سحب ملف توزيع دعم الفلاحين من يده، وتفويته إلى وزارة الداخلية تحت إشراف مباشر للسلطات المحلية. قرار غير مسبوق في توقيته ومضمونه، حمل رسالة حاسمة: من فشل في التدبير لا يستحق الاستمرار.

القرار الملكي لم يأتِ من فراغ. لقد جاء تتويجًا لغضب شعبي عارم بعد فضيحة دعم الأغنام التي وزعت في السنة الماضية قبيل عيد الأضحى، والتي تحوّلت إلى فرصة للإثراء السريع عند لوبيات “الفراقشية” بدل أن تذهب إلى الفلاح المحتاج. 18 شخصًا فقط حصلوا على 13 مليار درهم! وقيل يومها إن بعض المستفيدين لا يملكون حتى حظيرة واحدة. وأمام الصمت الحكومي، تحرّك القصر.

أخنوش الذي سيطر على ملف الفلاحة لعقود، وقدم نفسه كمهندس السياسات الزراعية، وجد نفسه فجأة خارج اللعبة في واحد من أكثر الملفات حساسية. وهذا لا يعني فقط نهاية السيطرة على الدعم، بل بداية اهتزاز صورته السياسية، وسحب صلاحياته في ظرفية صعبة يتآكل فيها رصيد الثقة لدى المغاربة.

المثير في هذا التحول، أنه جاء في وقت بدأ فيه الشارع المغربي يعبر بصراحة عن فقدانه للثقة في الحكومة، التي ظهرت عاجزة عن التصدي لموجة الغلاء، أو توفير حلول حقيقية للقطاعات المتضررة، وعلى رأسها الفلاحة. فسوء التدبير لم يعد خافيًا، وتضارب المصالح لم يعد يُحتمل.

هذه الصفعة ليست مجرد تصحيح إداري، بل مؤشر على أن الحماية السياسية التي كان يتمتع بها رئيس الحكومة بدأت تتلاشى. لم يعد ذلك الرجل الذي يتحرك بثقة دون مساءلة، بل صار محاصرًا بأسئلة مشروعة عن الفشل، والازدواجية، وتضارب المصالح.

وإذا كانت هذه البداية، فإن القادم قد يكون أقسى. فإعادة ترتيب الأولويات في الدولة قد تمر عبر غربلة حقيقية للنخب، وفصل واضح بين من يخدم الوطن ومن يخدم مصالحه الخاصة. اللحظة السياسية اليوم تقول شيئًا واحدًا: زمن التساهل مع العبث انتهى، والشرعية لا تُبنى على المال والنفوذ، بل على الكفاءة والوفاء لمصلحة الشعب.