آخر الأخبار

دبلوماسية الرياضة أصبحت ذات ثقل كبير إفتتاح جميل لملعب مولاي الحسن

إدريس الأندلسي

بالأمس نجع عرس أفريقي في ملعب مولاي الحسن. ادهشني جمال الملعب و حجمه الطبيعي. تبادلت بعض الحديث مع سيدة تسهر على تنفيذ مشاريع الملاعب ببلادنا قبل أن تتحول مديرية المنشآت العمومية إلى وكالة وطنية . تذكرت تلك المهام و ما صاحبها من اجتماعات، و زيارات خلال بناء ملاعب طنجة و أكادير و مراكش. كانت الإمكانيات التقنية و المالية غير ما كنا نعرفه قبل أكثر من عشرين سنة. إنتقلت بنية المقاولات من حالة إلى أخرى. أتذكر أن رئيس جامعة كرة القدم كان مهتما، بصفته المهنية، بمتابعة هذه المشاريع . و لا زالت هذه السيدة تقف بوله يشبه ذلك الذي تفاجئه جمالية ملعب يحتضن لأول مرة جماهير كثيرة بمناسبة المباراة النهائية للتأهل لكأس العالم بين نيجيريا و الكونغو الديمقراطية.
لا يمكن لأي ذي عقل سليم أن ينكر أهمية الرياضة في تمتين العلاقات بين الدول. و وجب التذكير بالقول المأثور الذي يؤكد على أن العقل السليم في الجسم السليم. ستظل العلاقات الرياضية في ارتباطها بالنتائج، و تحقيق هدف الوصول إلى مراتب متقدمة عالميا، مبتغى كل دول العالم. كانت إحدى تمظهرات الحرب الباردة تلك الصراعات الرياضية بين الإتحاد السوفياتي، سابقا، و أغلبية الدول المنتمية للحلف الأطلسي. و قد شكلت الألعاب الأولمبية مناسبة للتعبير عن أهمية التفوق الرياضي لدى صانعي القرار السياسي العالمي. و يعلم المهتمون بالشأن السياسي أثر الأزمات السياسية على قرارات الل جنة الأولمبية الدولية و الفيفا على مشاركة دول، من بينها روسيا بسبب أزمة أوكرانيا. و لا يمكن أن ننكر، كمغاربة، أثر تفوق بعض الأبطال، و بعض الفرق الوطنية الرياضية في التعريف ببلادنا على الصعيد العالمي.
وجبت هذه المقدمة بعد إختيار العديد من دول قارتنا الأوروبية ملاعبنا المغربية لاستقبال منافسيها في مباريات دولية تشرف عليها الفيفا و الإتحاد الأفريقي لكرة القدم تبعا للمواصفات التي يجب أن تتوفر لإقامة كل مباراة. و بلغ عدد المباريات التي احتضنتها بلادنا منذ شهر نونبر 2021 واحدا و عشرين مباراة. و لا زال طلب الدول الأفريقية كبيرا، و لا زالت موافقات الفيفا تزداد سنة بعد أخرى. و لا يجب أن يتم اختصار هذا الإقبال على المغرب مجرد إختيار مبني على مقاييس ذات طابع تقني فقط. الأمر أكبر بكثير، و يرتبط بعلاقات بلادنا متعددة المجالات مع بلدان القارة.
لا أعرف إن كان جلنا يتذكر ذلك الماراتون القانوني الذي كان ملعبه المحكمة الرياضية المتعلقة بالنزاعات. يعلم الراسخون في علم الأوبئة أن المغرب قرر التنازل عن تنظيم كأس أفريقيا لسنة 2015 بسبب الأزمة الصحية التي عرفها العالم بعد انتشار فيروس ايبولا .وقف الرئيس السابق ” عيسى حياتو” للإتحاد الأفريقي لكرة القدم في صف من أرادوا بالمغرب شرا، و حاولوا تشويه صورته و عزله عن قارته. و زاد الحقد درجات حين قررت عصبة رئيس الكاف السابق بمنع المغرب من المشاركة في كأس أفريقيا لسنتي 2017 و 2019 ، و تغريمه ملايين اليورو . و كم كان سهر ” الجزائري روراوة” طويلا سعيا إلى إقناع محكمة التحكيم الرياضية الدولية بضرورة الإساءة لبلادنا. انقلب السحر على الساحر، و أصدرت هذه المحكمة قرارا يقر بإعمال العقل في قضايا أكبر من الرياضة، و تغليب الرزانة في أوقات الأخطار المهددة لصحة الإنسان. و اندحر أعداء المغرب. و وجب التذكير أن جامعة كرة القدم و رئيسها كانوا وسط زخم سياسي و ايديولوجي جعلهم يودعون حقوقهم في النوم، و في الراحة، من أجل فضح المتآمرين الذين لا يرتاح لهم بال إذا كانوا غير موجودين على رأس مؤامرة غبية. و باءت محاولات الأعداء الاغبياء بالفشل على جميع الاصعدة، بما فيها حضور المغرب في الأجهزة القيادية للكاف و الفيفا.
شهدت جماهير أفريقية حجت إلى مدن المغرب، و تم استقبالها في أحسن الظروف، و في أحسن ما نتوفر عليه من ملاعب. و من الصدف التي تؤكد شبكة العلاقات المتينة بين بلادنا و شقيقاتها الأفريقية، ما حصل بالأمس خلال المباراة النهائية المؤهلة لمونديال 2026 بين نيجيريا و الكونغو الديمقراطية. حضرت هذه المباراة التي شدت جمهور البلدين حتي الدقيقة 140 أو أكثر، وصولا إلى ضربات الجزاء. كان حفلا كبيرا صاحبته الاهازيج الكونغولية و النيجيرية طيلة ساعات المباراة. كنت قريبا من النيجيريين الذين لم يحالفهم الحظ، و لكنهم كانوا مبتهجين بتواجدهم في ملعب مولاي الحسن الذي يعد معلمة رياضية ذات حجم يلاءم إقامة كل المباريات حاليا و مستقبلا. كثير منا لا يعلم حجم الصورة الرياضية المنقولة إلى كثير من الشعوب و تأثيرها الدبلوماسي. و لهذا وجب أن نقرأ عمق علاقاتنا الدبلوماسية في تجلياتها و ابعادها الإقتصادية، و الثقافية، و الدينية، و أيضا في جوانبها المتعلقة بالرياضة.