ملف خروقات طارق حنيش يعود إلى الواجهة ويُربك المشهد التعميري بمراكش
تعيش مدينة مراكش، خلال الأسابيع الأخيرة، على وقع جدل واسع حول الخروقات التعميرية المنسوبة للنائب الرابع لرئيسة المجلس الجماعي، الدكتور طارق حنيش، وهي خروقات باتت حديث المتتبعين والمهنيين وسكان المدينة، بالنظر إلى حجمها وتأثيرها المباشر على جمالية العاصمة السياحية للمملكة وعلى احترام القوانين المؤطرة لقطاع التعمير.
عودة سؤال التفتيش: هل تتحرك الوزيرة؟
التساؤل المطروح اليوم بإلحاح هو: هل ستقوم وزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان والتعمير وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، بإيفاد لجنة تفتيش وزارية للتحقيق في هذه الخروقات ؟
هذا السؤال لا يأتي من فراغ، بل من سابقة موثقة تعود لسنة 2022، حين قامت الوزيرة نفسها بإيفاد المفتش العام للوزارة شخصياً إلى مراكش بعد تفجر فضيحة التراخيص المتعلقة ببناء فيلا رئيس الجهة.
وقتها، كشفت التحقيقات الصحفية لـ “مراكش اليوم” أن تصميم التهيئة كان قد خضع لتعديل مثير للجدل، تم بموجبه حذف طريق عمومية تخترق موقع الفيلا عند دراسة المشروع في اللجنة التقنية المحلية ، قبل أن يتم التراجع عن ذلك لاحقاً وإعادة الطريق في النسخة المعروضة على العموم خلال البحث العلني.
الوزيرة تحركت فوراً، وتم فتح التحقيق… مما أعطى حينها رسالة سياسية وإدارية قوية مفادها: القانون فوق الجميع.
اليوم، وبعد اتساع دائرة الحديث عن خروقات جديدة تُنسب للدكتور طارق حنيش، يعود السؤال :
هل ستعتمد وزيرة التعمير نفس السلوك الصارم الذي اتبعته سنة 2022 ؟ أم أن صمتها سيفتح باب التأويلات حول “الحماية السياسية” ؟
خروقات تُشوه المنظر العام لمدينة عالمية
المعطيات المتداولة تشير إلى أن عدداً من المشاريع التي تم الترخيص لها في عهد النائب الرابع تعرف مخالفات خطيرة مرتبطة بـ:
• عدم احترام التصفيف (alignement).
• غياب التقيد بالتراجعات القانونية، خصوصاً قاعدة العلو يساوي المسافة الفاصلة.
• الترخيص لبنايات في مناطق مخصصة لمرافق التجزئات او مرافق عمومية وفق تصاميم التجزئات .
• خروقات أثرت فعلياً على المنظر العام لمدينة دولية مثل مراكش التي يفترض أن تكون نموذجاً في احترام المعايير العمرانية.
هذه التجاوزات لا تعد فقط مخالفات قانونية، بل “تشويهاً بصرياً” يضرب صورة مراكش كمدينة تحتضن ملايين السياح سنوياً، ويفترض أن تقدم نموذجاً في التخطيط الحضري وليس مرتعاً لاجتهادات فردية أو حسابات سياسية ضيقة.
الوزيرة بين الماضي والحاضر
حين أرسلت الوزيرة لجنة التفتيش سنة 2022، كانت الرسالة واضحة :
لا أحد فوق القانون، ولو كان أعلى مسؤول جهوي، رغم ان عمل اللجنة كان في صالحه و تم حذف الطريق من وسط الفيلا وقتئذ !!
واليوم، يترقب الرأي العام المحلي أن تعيد الوزيرة نفس الخطوة، خصوصاً أن الخروقات المنسوبة للدكتور حنيش أصبحت متداولة بشكل واسع، ومرفوقة بصور، ومعطيات تقنية، وملاحظات قانونية دقيقة.
وإذا لم تتحرك الوزارة، فإن العديدين بدأوا يتساءلون صراحة:
هل أصبح طارق حنيش محمياً ؟ وهل صمت الوزيرة يعني أن الأمر استثناء يُغضّ الطرف عنه؟
خلاصة: الكرة الآن في ملعب الوزيرة
تتراكم الخروقات، وتزداد الضغوط، وتتسع دائرة الغضب الشعبي والمهني… وكل المؤشرات تقول إن الموضوع لم يعد يحتمل التأجيل.
في مدينة مثل مراكش، التي تُسوَّق عالمياً كوجهة سياحية ومدينة ذات هوية عمرانية خاصة، يصبح واجباً على الوزارة الوصية تحمل مسؤوليتها كاملة.
السؤال اليوم:
هل سترسل فاطمة الزهراء المنصوري لجنة تفتيش من جديد؟
أم أن هذا الملف سيبقى معلقاً إلى أن تنفجر فضيحة أكبر؟المواطنون ينتظرون، والمدينة تدفع الثمن.
وبين كل هذه الأسئلة… لا بد من التذكير ببعض النماذج الصارخة للخروقات
ولكي لا يبقى النقاش عاماً ومبهماً، لا بأس من التذكير ـــ على سبيل المثال لا الحصر ـــ ببعض الخروقات التعميرية التي تُنسب للنائب الرابع الدكتور طارق حنيش، والتي وثّقها عدد من المتتبعين، ومنها :
• الترخيص لمصحة خاصة في ملكيته دون احترام التراجع القانوني المفروض، ودون التقيد بقاعدة “علو البناية يساوي المسافة الفاصلة بين الواجهات”، وهو ما يُعد خرقاً واضحاً لقواعد السلامة العمرانية.
• استغلال ممر خاص بالوقاية المدنية في محيط نفس المصحة، وهو ما أثار استياء واسعاً لدى السكان بالنظر إلى خطورته على السلامة العامة.
• الترخيص لعمارة من ثلاثة طوابق في منطقة يصنفها تصميم التهيئة المصادق عليه كمنطقة خاصة بـ الفيلات فقط، مما يشكل ضرباً صريحاً لمقتضيات وثيقة التعمير.
• الترخيص لبناية مكونة من مكاتب من خمسة طوابق على بقعة أرضية مخصصة أصلاً لـ مرفق خاص بالتجزئة ضمن تصميم التجزئة ، وهو تغيير غير مبرر لوظيفة القطعة الأرضية.
• الترخيص لمصحة أخرى على عقار مخصص لقاعة العروض “Forum” وفق وثائق التهيئة، وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً حول احترام الوظائف الأصلية للمرافق المبرمجة داخل النسيج الحضري.
هذه الأمثلة وحدها، دون إضافة باقي الملفات المتداولة، تكفي لطرح علامات استفهام كبرى حول منهجية منح التراخيص في مراكش، وحول مدى احترام القوانين المؤطرة لقطاع التعمير… وكلها أسباب تجعل تحرك الوزارة مسألة ضرورية قبل أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة، وتتحول مراكش إلى ورش مفتوح للعبث العمراني.
