حَفل توقيع عَهد الحِماية على المَغرب بفاس سنة 1912 وقصّة نملة سليمَان ، وفتوىٰ سيدي احمَد التّيجَاني :
إذا فُسّر القرآن مَات السّلطان !
حسن الرحيبي
بعد عدة صراعات أوروبية حول الرجل المريض . وعقد اتفاق بين إيطاليا وفرنسا حول ضَرورة انفراد هذه الأخيرة باستعمار وسط المغرب سنة 1902 . وزيارة إمبراطور ألمانيا غيوم الثاني لطنجة يوم 31 مارس من سنة 1905 لتقديم الدعم للسّلطان ضد أطماع فرنسا . ثم مؤتمر الخزيرات في سنة 1906 وشروطه القاسية على المغرب في سنة 1906 بعد إثقال المغرب بالديون . أصبح الاستعمار الفرنسي جاهزاً لاقتحام فاس مستغلّاً تراخي السلطان عبد العزيز وظهور حركة المصَوْبرين censals أو المحميين أصحاب البّاسبور الذين لم يعودوا خاضعين لسلطة المخزن بعد حصُولهم على جوازات أمريكية وفرنسية وإنجليزية وغيرها . للتنصّل من كل التزامَات مالية وضَريبية . بل أصبحوا يعقدون الصّفقات مباشرة مع أولياء نعمتهم وقوتهم من النصَارىٰ واليهود . مما أدى إلى تمرد القبائل على السّلطان بعد ثورة بوحمارة بتازة . ثم ثورة الرحامنة على مولاي عبد العزيز . وانقسام قبائل دكالة إلى عزيزيين وحفيظيين.. بايعت جامعة القرويين السّلطان عبد الحفيظ سنة 1907 تحت شرط مكافحَة الاستعمار ومنعه من التسرب نحو فاس انطلاقاً من الحُدود الشرقية مع الجزائر . وهو ما دفع عبد الحفيظ لاستدعاء أبي شعيب الدكالي من مكة حيث كان يعمل داعيةً لفائدة الأزهر . لتولي منصب القضَاء بمراكش مع العمل على تهدئة القبائل وإصلاح ما يمكن إصلاَحه في الدين ومحاربة الطوَائف الصّوفية وإصلاح جامعة القرويين بفاس وكلية ابن يوسف بمراكش بإدخال علم التفسير الذي كان محرماً بدعوى إذا فسر القرآن مات السلطان . فتوى غريبة أصدرها الصّوفي سيدي احمد التجاني للسلطان مولاي سليمان سنة 1807 . مع إدخال أمهات كتب الأدب للمبرد والإصفهاني في المناهج . وهو ما دفع السّلطان عبد الحفيظ إلى تشكيل حكومة من كبار القياد على رأسهم عيسى بن عمر والمتوݣي والݣلاوي والݣندافي .. لكن استمرار السيبة والفوضَىٰ بين القبائل والتحرش بالرعايا الفرنسيين بمراكش والجديدة . وامتناع القبائل عن دفع الضّرائب أدى إلى طمع أحمد الهيبة الوَافد من الصّحراء في السلطة . وجمعه لطلبة المساجد وقياد الجنوب للاستيلاء على مراكش بدعوى إخلال السلطان بالوَاجب الديني بتوقيعه لمعاهدة الحماية تحت إشراف الجنرال ليوطي . والتي لم تترك للسّلطان أية صَلاحية سوى الأوقاف أو الأحباس والشؤون الدينية . مع توقيعه للظهائر التي تصدرها الإقامة العامة في الشؤون العامة والضّرائب والمالية والأمن والجيش والشؤون الخارجية . ولا يمكن للسّلطان القيام بأية مبادرة إلاّ بالتنسيق مع سلطة الحماية . من خلال معاهدة بتسعة بنود اضطر السلطان لتوقيعها والتنازل عن الحكم لصَالح أخيه مولاي يوسف الذي سيدير شؤون العلاقات مع المقيم العام الفرنسي .
قبل ذلك حاول السّلطان عبد الحفيظ جسّ نبض فقهاء القرويين ومدى استعدادهم للجهاد فكرياً ضد الاستعمار المتربص بالبلاد . فتسلل سرّاً لحلقات العلم المسائية التي كان يديرها علماء كبار ليعرف الموضُوعات التي يتطرقون إليها . وهل يعبّئون الطّلبة ويشحذون هممَهم استعداداً للمواجهة حين يلتقي الجمعان .. ؟ فلم يجد من بين هذه الحلقات من يناقش شؤون البلاد وأطماع الاستعمار ووقوف قواته على أبواب فاس . بل لفت انتباهه حلقة يناقش طلبتها مع أستاذهم جنس نملة سليمان المذكورة في القرآن الكريم . وهل هي ذكر أم أنثى ؟ إذ هناك من كان يستدل بالآية : قالت نملة وهذا يعني أنها أنثى . ومن يرى أنها ذكر ! حين قالت يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون . حينئذ تأكد السلطان بأن لا مناصَ من الوقوع في شراك الاستعمار . انضاف إلى ذلك عقده لصفقات لشراء حيوانات من ألمانيا لم يستطع دفع ثمنها وهو ما جعله مثقلاً بالديون . ليجد نفسه في النهاية مضطراً لمغادرة البلاد بعد حصُوله على شيك نقدي وجراية تكفيه لحياته بالخارج.. ليتمتع بحريته ويطرق حياة اللذة والاستمتاع بدون قيود أو واجبات حين شوهد متسكّعاً في بعض بيران مارسيليا وباريس ..
