في قلب مراكش، وعلى مرمى نظر من المسؤولين المحليين والمنتخبين، يعيش حي الملاح واحدةً من أبشع صور الإهمال بعد زلزال الحوز. ليس فقط لأن البيوت ما زالت آيلة للسقوط، بل لأن المسؤولين، من منتخبين وسلطات، اختاروا أن يرفعوا أيديهم عن مواطنين تُركوا فريسة للانتظار والخوف واللامبالاة.
هنا، لا حديث عن إعادة الإعمار، بل عن إعادة إنتاج الألم. منازل تنهار دون سابق إنذار، وأرواح مهددة في كل لحظة، بينما تستمر الزيارات الرسمية في إطار “التفقد” و”الاطمئنان”، وكأن حياة الناس تُقاس بعدد الصور الملتقطة وعدد التصريحات الفارغة.
فهل ينتظر المسؤولون سقوط ضحايا جدد ليكتشفوا أن المأساة لم تنتهِ بعد؟ أم أن حي الملاح لم يدخل بعد دائرة “الاهتمام الانتخابي” التي لا تُفتح أبوابها إلا مع اقتراب صناديق الاقتراع؟
الساكنة، التي صبرت واحتسبت منذ كارثة الزلزال، لم تطلب المستحيل. طالبت فقط بسكن آمن، وبكرامة، وبأن تُعامَل كجزء من هذا الوطن، لا كحاشية في الهامش. لكن بدلًا من ذلك، وُوجهت بتسويف ممنهج، ووعود على الورق، وخرائط طريق لا تتعدى أدراج المكاتب.
هل يُعقل أن تمر قرابة سنتين على الزلزال دون مخطط واضح؟ دون جدول زمني معلن؟ دون تحرك فعلي لإعادة الإيواء؟ هل يُعقل أن تبقى عشرات العائلات محاصَرة بالخطر، تعيش تحت أسقف مهددة، لا تعرف إن كانت ستصمد لصباح جديد؟
مراكش ليست فقط ساحة جامع الفنا والمهرجانات والتظاهرات الدولية، مراكش هي أيضًا حي الملاح، وسيدي يوسف، والمناطق التي لا يصلها ضوء الكاميرات. والعدالة الاجتماعية لا تُقاس بعدد الفنادق الفاخرة، بل بعدد المواطنين الذين يشعرون بالأمان في بيوتهم.
إن صمت المسؤولين والمنتخبين عن مأساة حي الملاح جريمة صريحة في حق ساكنة تدفع يوميًا ثمن التجاهل، وجريمة أكبر حين يتعلق الأمر بعمدة المدينة، التي تتولى في الوقت نفسه حقيبة وزارية في قطاع السكنى، ومع ذلك لم تحرّك ساكنًا أمام خطر يهدد أرواحًا داخل مجالها الترابي.
فمن المسؤول؟ ومن يُحاسب من؟ أم أن هذا الملف أيضًا سيُغلق ويُركن على الرف، إلى أن يحين موعد الحملات الانتخابية، فنسمع ذات الأسطوانة: “سنُرمم”، “سنعيد الإيواء”، “سنُوفِّر السكن”، “وسنعتني بالإنسان”… ثم لا شيء؟
أهالي حي الملاح لا يحتاجون إلى جبر خواطر، بل إلى جبر ضرر. لا يحتاجون إلى بلاغات، بل إلى قرارات. لا يريدون شفقة، بل حقوقًا واضحة، واستجابة فورية. قبل أن يصبح كل ما تبقى من هذا الحي مجرد ركام يُضاف إلى أرشيف النسيان.
فهل من مجيب… أم أن الموت سيبقى أقرب إليهم من أي مسؤول؟