لطالما آثرت الصمت والابتعاد عن النقاشات الانفعالية حول قضية الصحراء المغربية، إيماناً بأن المواقف الراسخة لا تحتاج إلى ضجيج. غير أن التطورات الأخيرة وما رافقها من حملات تضليل مكثفة عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تلك القادمة من الجزائر، تفرض اليوم ضرورة التوضيح والتفاعل. فقد عملت بعض الصفحات على نشر روايات محرفة عن القرار الأممي الأخير، محاولة قلب حقائق معترف بها دولياً وميدانياً، في مشهد يشبه رقصة الديك المذبوح، حيث تختلط الصدمة بالعجز والإنكار، وتتحول الهزيمة السياسية والدبلوماسية إلى ضجيج إعلامي لا طائل منه. والأكثر إثارة للاستغراب هو أن جزءاً من الرأي العام الجزائري يبدو أنه تعرض لتنويم دعائي طويل، إلى حد العمى عن رؤية الحقائق الواضحة التي يمكن تبينها حتى “بالغربال”.
وفي هذا السياق، اعتمد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 31 أكتوبر 2025 القرار رقم 2797، والذي شكل محطة مفصلية في مسار تسوية النزاع. وقد حظي القرار بموافقة 11 عضواً دون تسجيل أي صوت معارض، فيما امتنعت كل من روسيا والصين وباكستان عن التصويت، في دلالة واضحة على رسوخ الثقة الدولية في وجاهة المقترح المغربي للحكم الذاتي، باعتباره الحل الواقعي والعملي لإنهاء النزاع المفتعل. ويؤكد القرار بشكل لا لبس فيه أن المسار السياسي، تحت إشراف الأمم المتحدة، هو الإطار الوحيد للحل، مع الدعوة الصريحة إلى استئناف الموائد المستديرة بين الأطراف المعنية مباشرة، وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، بما يعني الاعتراف الواضح بأن الجزائر طرف أساسي في النزاع وليست مجرد جهة داعمة كما تدعي.
كما جدد القرار التأكيد على الطبيعة الحقيقية لبعثة المينورسو، موضحاً أن دورها يقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار ودعم العملية السياسية، وليس تنظيم أو الإشراف على أي استفتاء. فخيار الاستفتاء متجاوز منذ سنوات طويلة، لأسباب قانونية وواقعية تتعلق باستحالة تحديد الهوية وتغيّر البنيات السكانية والاجتماعية، ما يجعل الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو الحل الوحيد المتاح والمتوافق مع مبادئ الشرعية الدولية ومعايير العقلانية السياسية.
ورغم أن العديد من قيادات البوليساريو عبّروا بعد القرار عن حالة انسداد واضح وعن خيبة أمل وصلت حد التهديد بالتصعيد العسكري، ما تزال بعض المنابر الإعلامية الجزائرية تصر على الإنكار السياسي ومحاولة خلق واقع بديل يقوم على الشعارات بدل الوقائع.
ونظراً لتأثير المعلومات المغلوطة التي تتداولها بعض الصفحات على جزء من الرأي العام، أصبح من الواجب توضيح جوهر هذا القرار. فالحكم الذاتي ليس حلاً مفروضاً أو شكلياً، بل مشروع متكامل يضمن تدبيراً ديمقراطياً وفعّالاً للشؤون المحلية تحت راية الدولة المغربية، ويستجيب لمقاصد الاستقرار والتنمية والاندماج الإقليمي. وهو خيار يحظى باعتراف دولي متزايد وترحيب واسع باعتباره نموذجاً واقعياً للتسويات السلمية في السياقات المماثلة.
إن البكاء السياسي والإعلامي الذي يصدر عن بعض الأوساط في الجزائر لا يغيّر شيئاً من الحقائق، كما أن التضليل مهما اشتد لا يمكنه إخفاء ما أصبح اليوم واضحاً: الحل النهائي يتجه نحو الترسخ المؤسسي للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الكاملة، والمسار الأممي يسير بثبات في هذا الاتجاه، بينما تنكشف أمام العالم معالم وهم الانفصال يوماً بعد آخر.
إن القضية بالنسبة للمغرب قضية هوية ووحدة وطنية، وليست موضوعاً تكتيكياً أو ظرفياً. أما المجتمع الدولي فقد حسم المسار نحو حل واقعي يضمن السيادة والاستقرار والتنمية. لذا فالمغرب ماضٍ بثقة، والشرعية الدولية بجانبه، والواقع على الأرض يؤكد أن مسار التنمية والاستقرار أقوى من الضجيج العابر ومن حملات الدعاية مهما تعددت أساليبها أو اشتدت لهجتها.
وخلاصة القول: الحق لا يحتاج إلى صراخ كي يثبت نفسه، أما الوهم، فلا يعيش إلا بصناعة الضجيج حوله.
 