مرة أخرى يطل علينا “الوصي الجديد على مهنة صاحبة الجلالة” بخطاب يعيد نفس الأسطوانة القديمة: شباب غاضب يخرج إلى الشارع مطالبًا بحقوقه المشروعة، وإعلام مستفيد يصرّ على تحويل النقاش من جوهر الأزمة إلى نظرية “الأطراف الخفية” و”التوقيت المشبوه”. وكأن العطب ليس في انهيار التعليم والصحة والخدمات، بل في وعي جيل جديد قرر أن يقول بصوت عال ما يتجاهله الكبار.
منذ السطور الأولى، يحاول “الوصي الجديد على مهنة صاحبة الجلالة” أن يحاصر جيل Z في تعاريف أكاديمية مملة: من 1995 أو 1997 إلى 2010… وكأن القضية هي تحديد السنة بالضبط! الأهم هنا ليس التاريخ، بل لماذا يضطر أبناء هذا الجيل للخروج للشوارع بدل البقاء في مقاعد الدراسة أو مكاتب الشغل التي لم يجدوها أصلا.
ثم يقفز إلى نظرية المؤامرة: كأس إفريقيا على الأبواب، إذن لا بد أن الاحتجاجات مدفوعة من جهات تريد التشويش. يا سلام! كأن حياة المواطنين يجب أن تتجمد احترامًا لجدول مباريات الكرة. هل على المريض الذي ينتظر سريرًا في المستشفى أن يؤجل احتجاجه إلى ما بعد صافرة النهاية؟ أليس هذا هو قمة العبث؟
وعندما رفع الشباب شعار “الصحة قبل كأس العالم”، وصفه “الوصي الجديد على مهنة صاحبة الجلالة” بالسذاجة. لكن الحقيقة أن السذاجة تكمن في إقناع الناس بأن ملاعب بالمليارات أولى من مستشفيات وأقسام دراسية. السذاجة هي مطالبة الشعب الجائع بالتصفيق لمهرجانات البهرجة.
ثم يأتي الهجوم الكلاسيكي على مواقع التواصل الاجتماعي: “ركوب، تأليب، ضعف مناعة سياسية”. خطاب أبوّي متعجرف، يرى الشباب كقاصرين يحتاجون لوصاية إعلامية حتى يفهموا همومهم. بينما الحقيقة أن هؤلاء الشباب يعرفون جيدًا معاناتهم اليومية، ولا يحتاجون إلى “وصي” يشرح لهم لماذا يشعرون بالاختناق.
ولأن الوصفة لا تكتمل دون جرعة تخوين، يلوّح “الوصي الجديد على مهنة صاحبة الجلالة” بأسماء وهمية: من فشل في الحكومة، من خسر الانتخابات، من يعيش على التدوينات. كلها أشباح تُستحضر لتبرير القمع الرمزي وتشتيت النقاش. كأننا في مسرحية هزلية حيث كل مشاكل المغرب سببها “ركماجيون” غامضون.
بعدها يطل علينا بوعظ فارغ: “التحدي ليس في المطالب، بل في التوظيف”. كأن الخطر الحقيقي ليس في انهيار الخدمات العمومية، بل في من يرفع صوته ليكشف هذا الانهيار. أي منطق أعوج هذا؟ أخطر استغلال هو أن تركب السلطة نفسها على آلام الناس لتبرر فشلها.
ولا ينسى “الوصي الجديد على مهنة صاحبة الجلالة” أن يلمّع صورته وصورة منبره الإعلامي: “قناة الشعب، سباقة للدعم”. لكن هذا الدعم مشروط: نؤيد الشباب ما داموا يرددون الشعارات التي تناسب أجندتنا، أما إن تجرؤوا على قول الحقيقة كاملة، فسيصبحون “سذجًا” و”ضحايا مؤامرات”. دعم بطعم الاستغلال.
وفي الختام، يعيد نفس الأسطوانة: “الاحتجاج اختبار للأمن والاستقرار”. لا أحد يرفض الاستقرار، لكن استعماله كفزاعة لتكميم الأصوات صار كليشيه مستهلكًا. الاستقرار الحقيقي لا يُبنى على الخوف والرقابة، بل على عدالة اجتماعية تستجيب لمطالب الناس. أما العبارة السوقية “نوض من النعاس راك تتحلم” فهي تكشف المستوى الحقيقي للخطاب: ليس تحليلا سياسيًا، بل رد فعل عصبي من إعلام مستفيد فاقد للمصداقية.
باختصار: مقال “الوصي الجديد على مهنة صاحبة الجلالة” ليس تحليلًا بل محاولة يائسة لشيطنة شباب يملك من الشجاعة ما يفتقده إعلام يبيع الوهم. والدرس واضح: هذا الجيل لا يحتاج لمن يتكلم باسمه، بل يحتاج لمن يسمعه.