حينما يعود الطين الى الطين ..وداعا غزلان .
يا سيدة الفخار ، ويا وجع آسفي العتيق..
ها أنتِ ذا تجلسين ، وحولكِ الجرار التي صنعتِها أو بعتِها ، تنتظرين رزقاً ساقه الله ، ولم تدركي أن السماء كانت تخبئ لكِ قدراً آخر . كنتِ تحرسين الطين اليابس من أن ينكسر ، فجاءكِ الماءُ غزيراً ، هادراً ، لا ليروي العطش ، بل ليروي حكاية حزينة عنوانها : حينما تقتل المدينة أبناءها .
يا غزلان ..
يا من كانت يداها تعرف ملمس الأرض ، وتُشكّل منها أوانيَ للفرح والماء الزلال ، كيف خانتكِ الأرض ؟ وكيف ضاقت شوارع المدينة التي حفظتِها عن ظهر قلب ؟
لم يقتلكِ المطر يا أختاه ، فالمطر بريء ..
قتلكِ النسيان ، قتلتكِ البنية التي شاخت ، قتلكِ الإهمال الذي ترك السيول تبحث عن مجرى فلم تجد سوى أجساد الكادحين .

في تلك الليلة ، لم يكن الرعد يسبح بحمد الله فحسب ، بل كان يصرخ في وجه المسؤولين . وحين فاضت المياه ، لم تجرف معها الأتربة فقط ، بل جرفت أحلاماً بسيطة لامرأة كانت تريد فقط أن تعود إلى بيتها بكسرة خبز ، لا أن تعود إليه محمولة في نعش من ماء .
يا جرة الماء المكسورة..
لقد صرتِ الآن حديث المطر، وصرتِ الدمعة التي علقت في حلق آسفي .
نامي بسلام ، بعيداً عن صخب السيول ، وعن قسوة المدينة التي لم تتسع لخطواتكِ المتعبة .
أنتِ الآن في ضيافة من هو أرحم بكِ من البشر، ومن الحجر، ومن مدنٍ تلبس أبناءها أكفاناً من وحل .
رحمكِ الله يا غزلان ، وصبر أهلكِ , وغفر لمدينةٍ وأدت زهرتها .
