آخر الأخبار

حول سؤال الماركسية ـ 4 ـ

ونفس هذا الاستنتاج ينطبق على مجتمع لم يعرف تاريخهُ مجتمع العبودية أو الإقطاع أو الملكية الخاصة، والأمثلة كثيرة وواردة في المتن الماركسي. فالذي ينطبق في هذا التعميم على “البشر” وهم يصنعون وجودهم الاجتماعي في الماضي ينطبق على الحاضر والمستقبل. ولننتبه هنا، أن ماركس تحدث عن “البشر” في التاريخ، ولم يتحدث عن الإنسان المجرد ذي الماهية المسبقة. فالأساس في الماديانية التاريخية، إنهم يصنعون وجودهم الاجتماعي في شروط مستقلة عن إرادتهم المشروطة بالتراكمات التي حققوها في ميادين الإنتاج. هل هذه توتولوجيا؟ أبداً، إنها بالأحرى فرز فكري منهجي تجريدي للكلية الاجتماعية ولأدوار كل من مكوناتها بما يحدد الأساس الموجه لإمكانيات واتجاه تطور جدليتها. ألا نتحدث اليوم عن الثورة التكنولوجية في ميادين شتى وأثارها العميقة على نظام العلاقات الاجتماعية في النظام الرأسمالي المعولم اليوم. بل وعلى طرق تفكيرنا ورغباتنا الفردية والجماعية؟ وألا نتحدث عن التغييرات الكبرى التي تحدثها هذه الثورة في القوى المنتجة والتي ينبغي تمييزها إجرائيا عن انعكاساتها الجذرية على البنية الفوقية، وعلى الرغم من ما يظهر من جمود نسبي على الأقل في جانبها السياسي المؤسساتي، بفعل تفاوت أزمنة ميادين البنية الفوقية في علاقاتها بمستوى تطور الصراع الاجتماعي والطبقي منه خصوصاً؟ !
بهذا المعنى المطلق لمقولة “البشر” ولنسبياته الماديانية الجدلية، افهم هذا النص المؤسس للماديانية التارخية، ولاحتفاظه بصوابيته التحليلية إلى اليوم، بالرغم من كل التشويش الأيديولوجي المظل الذي نعيشه في الحاضر.
الملاحظة الثالثة : قلت عن الماديانية التاريخية، كما هي في النص الأسبق، أنها تصور “تجريدي يساعدنا على التشخيص العياني الأقرب إلى الموضوعية. وأقصد بالتجريد هنا، أنه يحتوي وللضرورة المنهجية، على عزل مسبق للعوامل الأخرى والتي لا يمكن لأي تشخيص عياني أن يتغافل عنها. وأشدد هنا على أن المتن الماركسي في مجموعه، لم يستثنيها أو يتغافل عنها قط. وأذكر منها:
Å التوالد البيولوجي، والنمو الديمغرافي، ومن ثَمَّ دور ومكانة وأوضاع الأسرة، وعلاقات المرأة بالرجل ماديا وروحيا. وكما قال أحد المفكرين وقد أعجبني كثرا توصيفه، إن هذه العلاقات تشكل بمعنى ما “ما تحت البنية التحتية” في اللغة الماركسية.

محمد الحبيب طالب