آخر الأخبار

حــادة الــزيــديـــة

إدريس بوطور

“خربوشة ” عيطة عبدية ،وتعتبر أم العيوط الحصباوية ، لأنها جمعت بين ثنايا أبياتها مخزون الذاكرة الشعبية الجماعية لمكان معين من منطقة عبدة ، وفترة معينة من تاريخ المغرب . “خربوشة” لقب لسيدة تسمى “حادة الزيدية ” ، وهي شاعرة زجالة من قبيلة ولاد زيد العبدية ، كانت تمتلك موهبة نظم الكلام المفعم بالحكم ، ثم تغنيه . وقد كانت مواضيع نظمها قبل اشتعال فتيل الحرب بين قبيلتها وقائد قبيلة تمرة عيسى بن عمر مهتمة بالطبيعة والماء والمناسبات الاجتماعية ، لكن عندما واجهت قبيلتها بطش القايد عيسى بن عمر خصصت كل أشعارها للمرثيات ولتحريض رجال قبيلتها على قتال قائد تمرة عيسى بن عمر ، وسينتهي الأمر بأسرها وقتلها داخل القصبة . سيرة حياة هذه السيدة جعلت منها رمزا للصمود والتحدي ، كما نسجت (بضم النون) حول شخصيتها في مواجهة القايد أزجال من الموروث الشفهي ، مكونة من أشعار السيدة حادة الزيدية في تمجيد وإثارة حماس ولاد زيد ، وأشعار مضادة في تمجيد القايد عيسى بن عمر ورجاله ، وفي مقدمة هذا الموروث الشفهي عيطة ” خربوشة ” . فكل قارئ أو سامع لهذه العيطة لا بد أن يثير انتباهه تناقض في بعض الأحكام والقيم ، فعندما تقول السيدة حادة (دار السي عيسى كالو خلات (ثلاث نقط على الكاف) ، يقول الجانب الموالي للقايد (دار السي عيسى كالو زهات ، وزين الصيدة زين السلاك ، يا عيسى بن عمر(ثلاث نقط على الكاف الاولى والثانية ) . بالاضافة الى مدح رجال القايد المقربين والقبائل الموالية له. هذا يعني أن قصيدة “خربوشة” لم تؤلفها السيدة حادة لوحدها بل جمعتها الذاكرة الشعبية من مرثياتها وحماسها وتحريضها لقبيلتها ، ومن أشعار الجهة الموالية للقايد ، فجاءت سائر الأغراض الشعرية الوجدانية حاضرة في قصيدة “خربوشة” من مدح وهجاء ورثاء وفخر وحماسة وغزل وتصوير للبطولات. فكما أن هناك مواجهة عسكرية بين ولاد زيد وعيسى بن عمر ، فكذلك كانت هناك مواجهة كلامية زجلية وغنائية ، وهو ما يمثل الإعلام الإذاعي في زمننا الحاضر ** قصيدة “خربوشة” موروث شفهي ملحمي لمرحلة من تاريخ المغرب ، شكل نواة لبناء سيناريوهات لأشرطة تلفزية ومسرحية ،وإطارا مرجعيا لتقديم اطروحات جامعية ، وتأليف كتب في التاريخ المحلي . ومن خلال شمولية القصيدة فإنها تؤكد بالملموس أنها “أم العيوط ” الحصباوية ، ومسرح لجزء من الذاكرة التاريخية العبدية ، ومتعة للاستماع والتأمل .