آخر الأخبار

حركة جيل زد ” Z ” فصل جديد من الاحتجاج

الجيل Z يكتب فصلاً جديداً في تاريخ الاحتجاج المغربي……

الجيل Z يعيد صياغة لغة الاحتجاج بمطالب اجتماعية ملموسة….. 

مهاذ ايحوف 

شهد المغرب في النصف الثاني من هذا العام، بروز ظاهرة شبابية لافتة حملت اسم GENZ212#، حركة غير تقليدية انطلقت من الفضاء الرقمي لتصل إلى الشارع، و قد تحوّلت إلى مسيرات سلمية شملت عدداً من المدن الكبرى في مقدمتها الرباط، الدار البيضاء، مراكش، طنجة و مدن اخرى، حيث لم يكن ظهورها مجرد حدث عابر، بل جاء ليعكس دينامية جديدة داخل المجتمع المغربي، عنوانها الأبرز: جيل Z يطالب بصوت واضح بإعادة ترتيب الأولويات الوطنية.

و عرف المغرب خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً متسارعاً في أسعار المواد الأساسية، وتزايداً في تكاليف السكن والخدمات، إلى جانب معدلات بطالة مرتفعة خصوصاً بين فئة الشباب و حاملي الشهادات، حيث ساهمت هذه الظروف في خلق حالة من الإحباط الجماعي، خصوصاً لدى جيل نشأ في بيئة رقمية مفتوحة على العالم، لكنه يواجه واقعاً محلياً مليئاً بالتحديات، وفي هذا السياق، لم تعد المطالب تقتصر على تحسين الوضع الاقتصادي فقط، بل امتدت لتشمل الصحة، التعليم، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها ركائز أساسية للاستقرار المجتمعي.

و على عكس الحركات الاحتجاجية التقليدية التي اعتمدت على الأحزاب أو النقابات ، ولدت حركة GENZ212# في فضاء مختلف،ألا وهو منصات التواصل الاجتماعي، من بينها ديسكورد، تيليغرام و منصة إكس، حيث شكلت هذه المنصات فضاء تعبئة جديد، يقوم على التنسيق الشبكي بعيداً عن القيادة المركزية، و هذه اللامركزية جعلت الحركة أكثر مرونة، لكنها في الوقت نفسه منحتها طابعاً جماعياً يصعب احتواؤه أو تقليصه في شخصيات محددة.

كما أنّ الأمر لم يقتصر على النقاشات الرقمية، بل سرعان ما ترجم الشباب حضورهم الرقمي إلى مظاهرات سلمية في عدة مدن، حيث كانت الشعارات بسيطة ومباشرة، الصحة أولوية، التعليم للجميع و فرص شغل تحفظ الكرامة، هذا الخطاب أعطى الحركة طابعاً اجتماعياً أكثر منه سياسياً، وجعلها تحظى بتعاطف واسع في الفضاء الرقمي، حتى من خارج دائرة المشاركين المباشرين.

و كثيرون ما شبّهوا حركة الجيل Z بحركة 20 فبراير سنة 2011، غير أن المقارنة بينهما تكشف عن اختلافات واضحة مثل غياب القيادة الحزبية حيث لم ترتبط حركة الجيل Z بأي جهة سياسية، وكذلك التنظيم الرقمي حيث تم الاعتماد أساساً على المنصات الرقمية، بخلاف التجمعات الميدانية المنظمة سابقاً، و هي في جوهرها تعكس مطالب جيل محدد (جيل Z) أكثر من كونها حركة مجتمعية عامة، بهذا المعنى، تمثل حركة الجيل Z تطوراً نوعياً في أشكال التعبير الشبابي، يعكس التحولات الثقافية والتكنولوجية في المغرب.

و رغم الطابع السلمي للمسيرات، عرف الشارع حالات تفريق أمني واعتقالات في صفوف بعض المشاركين حسب ما تظهره الفيديوهات و الصور المنتشرة عبر صفحات الفيسبوك و الإنستغرام وغيرها ، هذا التدخل أثار نقاشاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى البعض أنه تكرار لأساليب تقليدية تجاه ظاهرة غير تقليدية،و لم يتوقف النقاش عند حدود المواجهة الميدانية، بل امتد إلى تساؤلات أعمق: كيف ستتعامل المؤسسات مع هذا الجيل؟ و هل يُنظر إلى مطالبه كتهديد أم كفرصة لإعادة البناء؟

و من خلال متابعة هذه الاحداث ، يمكن رصد مجموعة من الدلالات من قبيل انكسار الصمت، فالجيل الجديد لم يعد مكتفياً بالانتقاد من خلف الشاشات، بل قرر النزول إلى الشارع، وكذا تغيّر لغة الاحتجاج حيث لم تعد الشعارات سياسية أو أيديولوجية، بل اجتماعية وملموسة، و تراجع الثقة في الوسطاء التقليديين المتمثلة في ضعف حضور الأحزاب والنقابات كشف عن فجوة تمثيلية حقيقية.

سواء استمرت هذه الحركة أو خفت بريقها، فقد دشّنت مرحلة جديدة في علاقة الشباب المغربي بالشأن العام، هذه التجربة التي أثبتت أن الجيل Z لم يعد مكتفياً بمتابعة القضايا عبر الشاشات فحسب ، بل صار فاعلاً مباشراً يفرض صوته في الشارع كما في العالم الرقمي، بالإضافة إلى أن الحركة أعادت صياغة لغة الاحتجاج من شعارات سياسية وإيديولوجية إلى مطالب اجتماعية ملموسة تلامس الحياة اليومية للمواطن. اليوم، السؤال لم يعد حول قدرة هذا الجيل على التعبير، بل حول مدى استعداد الدولة والمجتمع لفتح قنوات حوار حقيقية معه.