آخر الأخبار

حذاري من تفاقم الوضع الإجتماعي

لماذا نخاف من المجهول و المعلوم و من الدولة
حذاري من تفاقم الوضع الإجتماعي.

إدريس الأندلسي

يؤكد الكثير منا أننا نعيش حالة رهيبة من الخوف من المحيط القريب، و من الغد القريب، و من الجار القريب، و حتى من مدير المدرسة، و من كل إدارة ترابية و موظفيها، و نخاف، بشكل غريب من أجهزة الأمن. عشنا، منذ الصغر، على حرص كبير على ملاحظة تواجد ” الحنش ” في محيطينا. كنا نسمي رجل الأمن الذي لا يتميز بزي رسمي، بإسم ” لاسوروتي ” ، و هو الإسم المترجم من الفرنسية الذي يعني رجل الأمن. و لكن لللغة الدارجة أحكام تتحكم في النطق بأسماء تتوغل في وصف المهام، و الصفات، و الحضور اليومي ذو الحمولة القمعية في تصور الأمن و أجهزته في حياتنا.
عاش أبناء جيلي واقعا فيه كثير من الجمال الطبيعي، عاش أيضا حالات من الظلم لمجرد حضور مباراة كرة قدم في الدرب، أو في ساحة الحومة. فجأة، و دون سابق إنذار، تجد نفسك بين يدي رجل أمن، و أنت في سن مراهقة، تحاسب لماذا شعرك طويل. و لماذا لم تحلقه. يقودونك ، بعد جولة في ” لاراف” بين عدة أحياء، و أزقة و طرقات، إلى مفوضية الأمن. تحاول أن تسأل عن أسباب اعتقالك، فتجد أمامك صوتا يخاطبك بالسب و الشتم، و أتذكر أن أحد مسؤولي الإنزال إلى الزنازن و الذي أتم صلاته قبل ثواني ، امطرنا بوابل من الكلمات النابية التي طالت عائلتنا و دينها.
كان هذا في سنة 1972 . وضعونا في زنازن صغيرة و مزدحمة، و لم تكن تهمتنا سوى أننا لم نحلق شعورنا. أتذكر ذلك الاعتقال الذي يشبه التخويف من الشعر الطويل، و النشيد الطويل، و خصوصا مواجهة اؤلئك الامنيين الذين كانت لديهم مهمة مليء ” لاراف ” بأكبر عدد من المراهقين و الشباب. كان ليل الزنزانة جميلا كتجربة عابرة. تعرفت من خلاله على الروائح الكريهة، و كذلك على القمل في أقوى تجلياته. أتذكر تلك ” الخبزة” التي رمتها بعض الأيدي بالزنزانة في وقت باكر. لم نتعرض لضرب و لا لتعذيب، عكس أصدقاءنا الذين تم اعتقالهم في سنوات 1976 ، 1976 و كانوا ممن تعرضوا للتعذيب في .رب مولاي الشريف ، هذا الإسم الشريف لا يستحق التبجيل أبدأ. . جزء ممن تم اختطافهم في سنة 1973 ، و ظلوا مختفين، حتى احيلوا على محاكمة في سنة 1976 . وقفوا أمام القاضي، في غياب سعيدة المنبهي ، التي ماتت بعد تعذيب و إضراب عن الطعام. و كانت الشهيدة سعيدة من تلميذات ثانويتنا ” أبو العباس السبتي ” بمراكش. أتذكر أغنية لحنها سعيد المغربي، و ألفها تلميذ آخر مر من ثانويتنا إسمه ” محمد علي كنار “. الاثنين من الشهود على قمع لم يشهد له مثيل .أربعين يوما مرت على ضحكتها…..سعيدة…” تجددت التجربة سنة 1981 في الرباط عقب إجتماع رسمي لجمعية معترف بها. و كانت النتيجة منع من جواز السفر. لكنني سافرت بعد معاناة. كانت المدرسة المحمدية للمهندسين فضاء للتعبير، و لكنها تحولت إلى ثكنة لصنع مهندسين فقط. و لن ينسى قياديو الحركة الطلابية دور المهندسين في الإلتزام بقضايا الوطن.
كنا نظن أن الانفراج حقيقة في المجال الحقوقي. و لكن الواقع القمعي سرعان ما سيطر على الواقع و الموقع. عادت الأيادي البوليسية لتعتقل كل من يشارك الندوات الثقافية، و حتى في النوادي السينمائية. و في جمعيات مسرح الهواة، حتى في جمعيات ذات طابع تربوي. كنا نعيش حلم الأمل في غد جميل، مع بعض مطالب حقوقية و سياسية لا تبتعد عن محيط دولة الحق و القانون. استسمح الفاعلين في تلك المرحلة، و الذين تعرضوا لكثير من أشكال التعذيب، في التكلم بصيغة ” نحن” . أتذكر كثيرا من الطلبة و المناضلين الذين تعرضوا لكل ما ينافي إحترام حقوق الإنسان. شاءت الظروف أن أعيش بينهم لسنوات دون أن أجد لديهم حقدا و لا ضغينة إتجاه بلادهم. أحبوا وطنهم حتى النخاع. لا زلت أتذكر طلبة و تلاميذ، و شبان وشابات تعرضوا لقساوة شبيحة درب مولاي الشريف بسبب التزاماهم بقضايا الوطن. و أتذكر يوم عيد في سنة 1975 ،حين اختطف أخي في الدار البيضاء من داخل ثانوية محمد الخامس. و صدم جميع من يعرفونه، و زملاؤه المختطفين، مما جرى. كل من تم اعتقالهم كانوا من المهتمين بمتابعة الوداد البيضاوي لكرة القدم، وشيء من الإهتمام بالموسيقى الغربية ، و أغلبهم كانوا من البعيدين عن أي نشاط جمعوي أو سياسي. لكنهم تعرضوا للتعذيب لمجرد شبهة ناتجة عن منشور وجد داخل الثانوية.
لا زال الخوف يسكننا في يومنا هذا. ظهرت كائنات غريبة تتكلم بكل لغات الصباغة السياسية. تحول أحدهم ممن كان، إلى زمن قريب، يتقرب من المناضل الراحل أحمد بن جلون، إلى أكبر من يعادي النضال ضد الفساد. و زاد خوفنا استفحالا، حين تحالفت ثلاثة أحزاب، لا تجمعها أية صلة مذهبية، في إطار برنامج لا يحمل إلا مجرد شعارات غير ذات تأثير على تقليص مربعات الفساد و التفاوتات الإجتماعية و المجالية. أذكر أحد أعضاء المقاومة، الذي حكم عليه الإستعمار، بالإعدام في أكادير، و الذي دخل مكتبي بوزارة المالية قبل عقود . لاحظ، حسب رأيه، أن أصحاب ملفات تصفية الديون المرتبطة بإعادة بناء مساكن المتضررين من زلزال أكادير، يحصلون على شهادة ” رفع اليد ” في يوم وصولهم من أكادير، فقرر التعبير عن رأيه في موضوع تبسيط مسطرة كانت تتطلب إقامة بفندق بالرباط و تكاليف أخرى . شكرته و لم أعلق على سخطه عن ممارسات إدارية تسيء، حسب رأيه، إلى الثقة في مؤسسات بعد الاستقلال. و لا زال الخوف يسكنني على بلادي، و ليس خوفا من ظلم مؤسسة أمنية. أخاف على بلادي من صفقات كبرى غير ذات تأثير على النمو، و على غياب أي تأثير على نسبة التشغيل في إطار محاربة البطالة. ، و خصوصا على جودة التنفيذ المتعلقة بمشاريع الإستثمار. أخاف حين تتراكم الثروات، في كل سنة، و في كل يوم ، بين أيدي من أصبحوا يتحكمون في كل القطاعات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية. أخاف على مستقبل التغطية الصحية، ويزيد خوفي على السلم الإجتماعي في بلادي. و لكل ما سبق، اصرخ بأعلى صوتي لكي يصل إلى من راكموا الثروات دون أن يفكروا بأنهم اقلية في بلادي ، و أقول لهم بأن سكان المغرب سيصل عددهم إلى 40 ،مليون نسمة قبل الانتخابات. فحذارى من تفاقم الوضع الإجتماعي الذي يتضرر منه كل من له دخل المحدود . أما الناجون من ذوي الامتيازات غير المشروعة، فلن يجدوا من يخدمهم و من يحميهم. لقد سمعتم خطاب العرش، فهل أنتم منتهون…