آخر الأخبار

حافلات مراكش بين كفاءة لفتيت وبجاحة گودار

انطلقت أخيرًا الحافلات الجديدة التي تم اقتناؤها في إطار المبادرة التي أطلقتها وزارة الداخلية لإعادة هيكلة قطاع النقل الحضري بالمملكة، في خطوة وُصفت من قبل متتبعين بأنها تحوّل نوعي طال انتظاره، خصوصًا بمدينة مراكش التي عانت لسنوات من أعطاب مزمنة في منظومة النقل العمومي.

هذه الحافلات، من حيث الجودة والتجهيز والمعايير التقنية، لا تقل مستوىً عن تلك المعتمدة في كبريات المدن الأوروبية، سواء من حيث الراحة أو السلامة أو احترام البيئة. وهو ما يؤكد أن الدولة، حين تتدخل بجدية وبمنطق المصلحة العامة، قادرة على تصحيح اختلالات تراكمت بفعل سوء التدبير وضعف الحكامة.

ويرجع الفضل في هذا التحول، بالأساس، إلى التدخل الحاسم وفي الوقت المناسب للسيد عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، الذي قطع مع أساليب التدبير القديمة، وأوقف محاولات إعادة إنتاج نفس النموذج الفاشل للتدبير المفوض، والذي كاد أن يُسند ـ مرة أخرى ـ لشركة “الزا” بالمنطق ذاته الذي أغرق المدينة في الفوضى لسنوات. بل إن مصادر متطابقة تؤكد أن بعض المسؤولين المتعاطفين مع هذا الخيار لوّحوا بالاستقالة حين فُرض منطق الدولة بدل منطق الريع والعلاقات.

وإذا كان هذا الإنجاز يُحسب لوزارة الداخلية، فإنه يطرح في المقابل أسئلة محرجة حول دور المنتخبين المحليين، وعلى رأسهم رئيس الجهة سمير كودار، الذي حاول في أكثر من مناسبة الركوب على هذا المشروع وتقديمه وكأنه ثمرة عمل سياسي أو جهد جهوي، في حين أن الوقائع تؤكد أن الملف أُخرج من أيديهم أصلًا بسبب العجز وسوء التقدير، بل وبسبب محاولات الالتفاف على منطق الإصلاح الحقيقي. المقارنة هنا تفرض نفسها بقوة : عبد الوافي لفتيت، خريج أرقى المدارس الفرنسية كالبوليتكنيك ومدرسة الطرق والقناطر، رجل دولة راكم تجربة عميقة في دواليب الإدارة الترابية، وحظي بثقة سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عبر تقلده مناصب استراتيجية وحساسة، مقابل نماذج سياسية محلية لم تستطع النجاح حتى في مسارها التعليمي، لكنها وجدت نفسها، بفعل الصدفة الانتخابية وضعف الفرز، جالسة على كراسي المسؤولية  . وما تعيشه جهة مراكش–آسفي اليوم ليس إلا نتيجة مباشرة لهذا الخلل في النخب، حيث يُدار الشأن العام أحيانًا بعقلية ضيقة، وبمنطق الاستعراض بدل الكفاءة، وبمحاولات فجة للسطو على منجزات الدولة.

إن الحزم الذي عبّر عنه وزير الداخلية بخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والتأكيد على ربط المسؤولية بالمحاسبة، يبعث برسالة واضحة مفادها أن زمن التساهل مع مثل هذه البروفايلات قد شارف على نهايته، وأن الدولة عازمة على تنظيف المشهد السياسي من كل ما يشوهه ويُفرغه من معناه.

حافلات مراكش ليست مجرد وسائل نقل جديدة، بل عنوان لصراع بين منطق الدولة ومنطق البجاحة السياسية؛ بين الكفاءة الصامتة التي تشتغل في العمق، والضجيج الانتخابي الذي لا ينتج إلا مزيدًا من الأعطاب . والفرق بين الطرفين، اليوم، بات واضحًا للعيان .