آخر الأخبار

حادثة الطفل (ريان ) بين المسؤولية والقدر

محمد خلوقي

العبثية واللامبالاة ، وسوء تقدير العواقب ،تعد من الاسباب التي قادت الطفل الصغير( ريان ، ابن منطقة شفشاون ) الى هذا المصير المؤلم ، والمعاناة الحارقة التي تكوي جسده الصغير ، و تخلخل نسيج نفسيته الرهيفة.
ولن اخوض في هذا المقال عن الاقدار والمشيئة الخارجية، لان ادخال القضاء والقدر في مثل هذه الواقعة ،قد يخلخل معتقدات الذين يعبدون الله على حرف . ذلك ان القضاء والقدر يتطلب علما وفهما وادراكا شموليا وليس تجزيئيا وهذا ليس مجاله ولا موضوعه في هذا المقال.
ولكني انبه وانتقد الذين يوظفون القضاء والقدر في مثل هذه السياقات ، ويهربون من تحمُّل المسؤولية ، ومن المحاسبة ، ويختبؤون داخل هذا الجلباب ، ويحتمون بهذا السياج القدري .
وسابتعد عن جلباب القضاء والقدر ، وأطرح التساؤل التالي :
من يتحمل المسؤولية في مثل هذه الوقائع المؤلمة ؟؟ أ البشر ام القدر ؟؟
اتذكر هنا ما يروى عن عمر بن الخطاب حين كان يحاسب نفسه ويقول ( ” لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله  عنها : لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر ” ؟!.)
لماذا لم يتمسَّح عمر ، وهو المؤمن الورع الثقي العالم العارف ، بمُسوح القضاء والقدر ؟؟!!،
بل نستشف انه اشار ضمن تساؤله المزلزل ، ان المسؤولية الاولى تعود الى كل راع او حاكم اومدبر لشؤون الناس واحتياجاتهم .
ان الطفل (ريان ) ، لم تنزل عليه صخرة من السماء، او أصابه إعصار قوي ، او صعقه البرق .. بل ان المسكين قد هوى في غيابة جُبٍّ عميق ومظلم ، وبغض النظر عن اسباب ذلك السقوط سواء أ كان الحادث هو فضول من الطفل ،او بسبب عدم انتباههه لمكان البئر ؟؟ .
فان المسؤولية تقع بالدرجة الاولى على من حفر هذا البئر ، دون إقامة او إتمام كل شروط وقاية الناس وسلامتهم من ان يقعوا في مثل هذه الحوادث والاضرار .
كما تقع المسؤولية الثانية على الجهات الرسمية الاقليمية والمخول لها اعطاء الرخص وكذا التتبع والمراقبة القبلية والبعدية لمثل هذه الاعمال والاشغال المرتبطة بحفر الابار والانفاق ، او بناء القناطر والمعابر، اوما شابه ذلك .
كما تقع المسؤولية على جيش الداخلية وما فيه من عيون يقظة من (المقدمين والشيوخ ) والمخبرين- والتي لا تخفى عنهم خافية،
فأين هم من مثل هذه المسؤوليات ؟؟
ام ان الامر يتعلق فقط بمراقبة محددة للاقوال والافكار ، والمواقف ، والتصريحات؟؟!!
لو قام كل واحد بواجباته لما آل الامر الى هذه المصيبة،
اين هو وعي الاسرة وتنبهها وتتبعها خاصة حين يكون لذيها أطفالا صغارا ؟؟!!
اين هي مسؤولية الجهة الترابية ، وتتبع مصالحها المختصة ، لمثل هذه الابار او ( الخطارات) التي لم تعد صالحة للاستعمال ، والتي صارت تشكل تهديدا مباغثا لسلامة كل الساكنة ؟؟
اين هو تواصل القرب والتوعية ، وفعاليته واستمراريته وحضوره في مثل هذه المناطق ؟؟!!
أم ان ما نسمعه عبر وسائل الاعلام لا يعدو ان يكون مثل فقاعات عابرة تظهر في المناسبات وترفع شعارات جوفاء ؟؟، او تتخد من الحدث وما فيه من مصائب مآسي ، كغنيمة للاسترزاق حتى اصبحت (مصائب قوم عند قوم مداخيل ).
ان هذا النوع من التقصير في اداءالواجب الاسري والمهني ، وتحمل المسؤولية بوعي وحب ووطنية هو الذي أطال في عمر الفساد والاستبداد ، والعبثية في محالات شتى كالتربية والتسيير والتدبير والاعلام والقضاء …وطال الامر حتى فرَّخ لنا (ديناصورات) من المفسدين العابثين بكل شيء، وصارت هذه الاشكال الفريدة. والغريبة تعتقد بسرمديتها، وبفوقيتها ، وانها لا تهزم ولا تقهر ، وان من وقف في طريقها سيسحق .
واما السذج من الناس فانهم يمْسحون ما حدث في القضاء والقدر . ويرددون مع ذلك شعارت وأدعية اللطف ويتوقعون حدوث المعجزات .