آخر الأخبار

جيل Z حركة لامركزية… صرخة بلا قيادة

الجيل Z : الشباب المغربي بين الشارع و المواقع

حركة لامركزية… صرخة بلا قيادة

معاذ ايحوف

في المغرب، كما الحال في العديد من دول العالم، أصبح الفضاء الرقمي منصة للتعبير عن الغضب والرفض، بعيدًا عن الوسائط التقليدية، من فايسبوك و إنستغرام إلى ديسكورد، يعبر شباب في مختلف المدن مغربية عن إحباطهم من الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ويصل صوتهم إلى آلاف المتابعين في وقت قياسي، دون أي انتماء تنظيمي رسمي، حركة GENZ212 مثال حي على هذا الاحتجاج الرقمي، حيث يُنقل الغضب الشعبي عبر فيديوهات قصيرة ومنشورات، ويصبح الشارع الرقمي امتدادًا للشارع الفعلي.

هذه الحركة ليست الوحيدة في العالم التي ظهرت بلا قيادة مركزية، فالحركات الشبابية اللامركزية أصبحت نموذجًا عالميًا في العقد الأخير، وتكشف عن تحول جذري في طريقة تفاعل الشباب مع السياسة والمجتمع.

في اسبانيا، أطلقت حركة (Indignados) 15-M عام 2011 احتجاجًا على البطالة وأزمة السكن والفساد السياسي، حيث اعتمدت الحركة على الاعتصامات في الساحات العامة، ونجحت في جمع آلاف الشباب للتعبير عن رفضهم للنظام القائم، ومع ذلك، لم تستمر الحركة بنفس الزخم على الأرض، لكنها تركت أثرًا سياسيًا ملموسًا من خلال تأسيس أحزاب مثل Podemos عام 2014، التي حولت مطالب الشباب إلى برامج سياسية قابلة للتطبيق.

بنفس الشكل تقريبًا، ظهرت حركة Occupy Wall Street كذلك عام 2011 بالولايات المتحدة الأميركية احتجاجًا على الفوارق الاقتصادية والفساد المالي، تحت شعار “نحن الـ99%”،كما استخدمت الحركة الفضاء الرقمي لنشر الرسائل وتنظيم التجمعات، لكن غياب القيادة وبرنامج واضح حال دون تحويل الغضب إلى نفوذ سياسي ملموس، فانطفأت الحركة تدريجيًا رغم الضجة الإعلامية الكبيرة التي أحدثتها.

هذان المثالان يظهران درسًا مهمًا: الغضب وحده لا يكفي، فتحويل الاحتجاج إلى تأثير ملموس يحتاج إلى أدوات تنظيمية واضحة، قيادة جماعية ذكية، وبرنامج يمكن التفاوض عليه.

في المغرب، تعكس حركة GZ212 الطاقات الاحتجاجية الهائلة لدى الشباب، لكن الغضب موزع على مطالب متنوعة: التعليم المجاني، تحسين الخدمات الصحية، محاربة الفساد، توفير فرص الشغل، جميع هذه المطالب مشروعة، لكنها غير مترابطة، بلا أولويات واضحة، ولا أدوات للتنفيذ أو التفاوض مع المؤسسات.

و بالإضافة إلى ذلك ، تلعب وسائل الإعلام التقليدية دورًا محدودًا في تغطية هذه الاحتجاجات، والنقاش العمومي يعاني من السطحية، والنخب الفكرية في تراجع مستمر، كل هذه العوامل تجعل من الحركات اللامركزية مساحة تكشف الفراغ بدل أن تملؤه، فتظل الطاقة الاحتجاجية عاطفية أكثر من كونها استراتيجية.

حيث يعتمد المستقبل على قدرة الشباب على الانتقال من مرحلة رفض الوضع الراهن إلى مرحلة اقتراح حلول منظمة، التنظيم الجماعي ليس خيانة للحرية، بل وسيلة لتحويل الغضب الرقمي إلى فعل مؤثر على أرض الواقع، و القيادة الذكية، التي تُدار بطريقة جماعية، تمكن الحركات من تحويل صوتها من مجرد صرخة عاطفية إلى أدوات ضغط حقيقية داخل المؤسسات، فالتحدي الأساسي يكمن في بناء نموذج يتجاوز الرفض العاطفي ويخلق تأثيرًا دائمًا. فحتى أصوات رقمية قوية، إذا لم تتحول إلى مشروع واضح، ستظل حبيسة الشاشات، معرضة للانطفاء أو الاختطاف أو التشويه.

حركة GZ212 ليست تهديدًا، لكنها جرس إنذار: الشباب المغربي يصرخ، لكنه يحتاج إلى من يحوّل هذا الصراخ إلى مشروع حقيقي، الاحتجاج بلا تنظيم لا يصنع التغيير في غالب الأحيان، والضياع سيبتلع كل أمل إذا لم يجد الصوت طريقه إلى الفعل المؤثر والمقترح الواقعي، و دروس Occupy Wall Street و (Indignados) 15-M تؤكد أن الطاقات اللامركزية قد تتحول إلى قوة سياسية حقيقية، لكنها تحتاج إلى القيادة الذكية، التنظيم الواقعي، وتحويل المطالب إلى برامج ملموسة.