آخر الأخبار

جالوق…دون كيشوط جامع الفنا

يدّعي المراكشيون الأفذاذ أن جامع الفنا كانت مسجدا هائلا ، بناه في غابر الزمان رجل اسمه الملك جالوق، وأن المسجد اشترط على جالوق ألا يدخله منافق ولا خسيس ولا ديوتي ، لكن جالوق لم يستطع أن يفي بوصية المسجد الذي أصبح مرتعا لكل لص و أفاق خسّيس فقرر أن ينهدم على رؤوسهم . وذلك ما كان.
منذ ذلك اليوم لم يظهر لجالوق أثر ، سواء في كتب التاريخ أو مصنفات جامع الفنا الشهيرة ..
يدّعي المراكشيون الأفذاذ أن جالوق رجع فجأة إلى الساحة ، طفلا ثم شابا وأنه استوعب علومها وفنونها ولغاتها. وعندما تيقن من امتلاكه لسرها ولمضمونها خطر له أن يصبح ملكا ، صنع سيفا من الجالوق الحر وبايع نفسه ملكا على جامع الفنا، وكلما اشتدت حرارة الساحة ازداد السيف طولا وكلما ازداد السيف طولا ازداد تحكم جالوق في رقاب رواد ورواة وعلماء وممثلي وقراء الغيب ومروضي .. جامع الفنا ، أو المملكة، كما يحلو لجالوق أن يسميها في خطبه العصماء .. ازدادت شهرة جالوق وازداد معها نفوذه إلى أن هيمن على إمارة طبيب الحشرات وعبيدات الرمى وأولاد سيدي موسى… وإمارة الشرقاوي صاحب الحمام وزميله الأعمى صاحب الشيشة المشهورة،وكانت حجة جالوق لاحتلال إمارتهما هي الحوار المشتعل بين الشرقاوي والأعمى، حيث لا يرد ذكر للملك جالوق :
ـ أخويا بغيت نسولك …
بغيت نسولك على جميع لطيار؟
ـ علاه أنا كالوا ليك طير، حتى اتسولني على لطيار؟
ـ كالوا ليا أنت طير مربي مع لطيار.
ـ سوّل أخويا
ـ هاذ الحمام الأصل ديالوا منين ؟
ـ لحمام الأصل ديالوا مكاوي. لحمام شريف
ـ بلارج أصلو منين؟
ـ بلارج الأصل ديالو حسناوي من بني حسين غرباوي .
ـ والجمل منين؟
ـ الجمل رجل صبار رافد الحمل وجايب العولا، دكالي.
ـ والجاوج منين؟
ـ الجاوج فيه لغوات بزاف، مسيوي .
ـ ولد أم قنين منين؟
ـ ولد أم قنين فيه الحيالة بزاف مراكشي
ـ الحنش منين؟
ـ الحنش زعري
ـ اللفعة منين؟
ـ اللفعة سوسية
ـ العكرب منين؟
ـ العكربة سباعية
ـ باقي بغيت نسولك
لحمار منين؟
ـ لحمار قنيطري
ـ لبغل منين؟
ـ لبغل مذكوري
ـ الفكرون منين؟
ـ الفكرون سلاوي
ـ طبيبت منين؟
ـ طبيبت…. هي امك.

ثم إمارة القصاص الكبير بلحيته البيضاء المنسدلة وعصاه التي يسخرها في بناء وإعادة ترميم قصص الأنبياء ، نبيا نبيا من سيدنا آدم إلى الجميل يوسف مرورا بهاروت وماروت والخضر… حتى إذا ما أشرف على إنهاء مجمعه ذكر الحضور ب : ” أنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، وياجوج وماجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم”.
*
يحتقر جالوق كل الإمارات والبدو والبلهاء واللصوص ، ويخص بلعنته الرواد الذين لاهمّ لهم سوى الالتصاق بمؤخرات الرواد ” قوم لوط ” ..
يفتتح جالوق حلقته بمبايعة نفسه ويختمها بمطاردة المتحلقين حوله وإعلان سخطه على الجميع ..
تنمو المعرفة وتحبو في جامع الفنا يوما عن يوم ، يوم لا ينسخ يوما، إلى أن تتقزم الفلسفة وترمي بكتبها و متونها على ضفاف الساحة وعند أقدام الرواد… والعلوم والفنون والسحر والأشعار… منثورة على الأرض… مكتبات زاحفة تطأها ألأقدام ، المعرفة في الأرض وفي السماء.
*
ماذا يقع للناس عندما يتحلقون حول شخص ما أو فكرة أو نبي أو أو قرد أو حمار يدخن … أي تيار لغوي ، بشري، جنسي، حيواني يمر بينهم؟؟ ذلك هو السر الذي يعرفه الملك جالوق لكنه لا يستطيع أن يبوح به ، وهو يريد أن يعلنه للجميع ، يطوف الساحة شاهرا سيفه الجالوقي يبحث عن شيء لا يعرفه …
*

خبر غير عاجل:
عثر على الملك جالوق مقتولا بعدة طعنات من سيفه الجالوقي ومرميا بعيدا عن الساحة في نفس اليوم الذي أعلنت فيه منظمة اليونيسكو اعتبار جامع الفنا جزء من الثرات الشفوي الإنساني .

محمد عزيز المصباحي / الجديدة