آخر الأخبار

تَضَارُب المَصَالِح، أو الجَمْع بين الثَّرْوَة والسُلْطَة – 1 – ‘

رحمان النوضة 

في بداية عهد ملك المغرب الحالي محمد السادس، نُظِّمَت حملة دعائية ضخمة لتـقديم هذا الملك الجديد على أنه «ملك الفقراء». وماذا حدث بعد مُرور عشرين عاما على ضبط الانتـقال بين المَلِـكَيْن، وبعد التَحَكُّم في عملية إخضاع المجتمع؟ لقد أصبح ملك الأثرياء ! وهو نفسه الأغنى. وقبل ذلك، كان الملك المستبد الحسن الثاني يعاقب أي مُقَاوِل أو «رجل أعمال» يُحاول، ولو بشكل غير مباشر، المشاركة في ممارسة السلطة السياسية. أمّا اليوم، فَلَا شيء مثل ذلك موجود. فقد سمحت السلطة السياسية الحالية لِـنَـقَابة البَنْكِيِّين الكبار («المَجْمُوعة المِهَنِية لِبُنُوك المغرب»، Groupement Professionnel des Banques du Maroc, GPBM)، وسمحت كذلك لِنَـقَابة كِبَار مَالِكِي الشركات («الاتحاد العام لمُـقاوَلَات المغرب»، CGEM)، بِأَن يَجْمَعُوا بين أيديّهم «الثروة الاقتصادية»، و«السلطة السياسية» !

في كل عام، تنشط هذه النقابات المِهَنِيَة (التي يَتَنَظَّمُ فيها أكبر الرأسماليين) لكي تُمْلِـيَ على الحكومة التَوَجُّهَات التي يَلزم تضمينها في «قانون المالية» للعام التالي. وذلك بمباركة السلطة السياسية الموجودة في القصر الملكي. وَهَتَيْن النقابتين، أي نقابتي كبار البَنْكِيِّين، ونقابة كبار مَالِكِي المُقاولات، تُشَكِّلُ، بحكم الواقع، “كَارْتِيلَات” (cartels)، أو إِتِّحَادَات اِحْتِكَارِيَة، تَتَّـفِـقُ ضِمْنِيًّا فيما بينها، وَتَـفْـرِضُ على الدولة السياسات الاقتصادية التي يلزم تَنْـفِـيـذُهَا، وَتُدِير الأسواق العُمُومية، وذلك وِفْقًا لمصالحها الخُصوصية. فإذا أرادت نقابة كِبار مالكي المقاولات CGEM قانونًا يُسَهِّل تَوقيف أو طرد المأجورين، أو قانونًا يَمنع العمال من اللجوء إلى الإضراب، فإن الحكومة تمنحها فورًا ذلك القانون (مثال القانون رقم 97.15)(1) ؛ أما إذا طالبت نقابات العمال من الحكومة أن تَضَعَ قانونًا يضمن رَبْط أجور العُمَّال بِالتَـضَخُّم (inflation)، أو إذا طالبت بمعاقبة مالكي المقاولات الذين يتحايلون لكي لَا يُسجّلوا كل مأجوريهم في “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” (CNSS)، فإن الحكومة ترفض طلب النقابات العُمالية، ولو تَكَرَّر هذا الطّلب خلال عدّة عُـقُود !