آخر الأخبار

تقطير الزهر اختفاء بقدوم فصل الربيع – 1 –

عبد الجليل بدزي

1/ تقطير الزهر: المناسبة والأصل

عادة تقطير الزهر واستخراج مياهه العطرة عادة ارتبطت لدى المغاربة داخل المدن السلطانية بمقدم فصل الربيع، واحتفاء بأجمل فصول السنة، حيث يقيمون عدة طقوس فرحا بمقدم فصل النماء والجمال والخصب، كما هي عادة المصريين ب”شم النسيم” أو الإيرانيين ب”عيد النيروز”، مع اختلافات مرتبطة بالبيئة والمعتقد.
وقد شاع بين الباحثين تصور مفاده أن هذه العادة دخيلة على المغاربة من الأندلس، حيث، جاء بها المهاجرون المورسكيون إلى المغرب إبان طردهم من شبه الجزيرة الإيبيرية واستقرارهم بالمغرب المَعْبَرُ الأول لهم نحو دول شمال إفريقيا…
إلا أن الاستقراء الدقيق لكتب تاريخ الحضارات، يكشف على أن هذا التصور ينطوي على كثير من التسرع، فالوقائع والأحداث تؤكد على أن هذه العادة “دمشقية”، جاء بها العرب المشارقة الذين نزحوا نحو المغرب لأسباب ليس هذا مجال الخوض فيها، ومن هنا نقلها المغاربة عندما فتحوا الأندلس إلى هناك، ونقلوا معها شجرة الأرنج والبرتقال والكثير من أنواع الورود والزهور التي جعلت من الأندلس جنة خضراء، ولما هُزِمَ العرب المسلمين هناك، حمل الموريسكيون معهم أوانيهم وعاداتهم على شكل هجرة مضادة ينطبق عليها المثل السائر: “هذه بضاعتنا ردت إلينا”.

2/ أصل شجرة (النارنج) وتسميتها:

وبخصوص شجرة (النارنج Naranga)، فأصلها صيني شأنها شأن البرتقال، والاسم الذي أطلق عليها أصله من اللغة السنسكريتية، وقد نقلها العرب إلى المناطق التي كانوا ينتشرون بها، وأطلقوا عليها اسم (شجرة الأرنج)، وهي في اللسان المغربي الدارج (شجرة الزنبوع/ أو اللتشين الحار).
ونظرا للروائح الزكية التي تنبعث من أزهار هذه الشجرة، فقد عمد العرب إلى استخلاص زيوتها والاستفادة منها كمعطر طبيعي رائع الرائحة، فعكست بذلك أيضا رِقة ورُقيّ الحضارة الإسلامية في بعدها الجمالي، وعنايتها البارزة بأمور النظافة والتطيب، مما يركز عليه الدين الإسلامي وتعاليمه، وكثرة النصوص الإسلامية في هذا الإطار تحتاج إلى ورقات كثيرة وزمن أطول لا يتوفر لنا في هذا المجال.