تفكيك السرديات الدينية في منحى نقد حوكمة السرديات الأمنية ( أو إعادة تشكيل الأمن الرمزي بين السلطة والتأويل )
*مصطفى المنوزي
مقدمة:
في ظلّ التحولات المجتمعية والتوترات السياسية، تبرز السرديات الدينية كأدواتٍ تتجاوز دورها العقدي إلى ميادين السياسة والأمن والشرعية. ورغم ما توفره من تماسكٍ هوياتي، فإنها غالبًا ما تُحوَّل إلى آليات رمزية للهيمنة والضبط. مما يستدعي نقدها ضمن مشروعٍ شاملٍ لحوكمة السرديات الأمنية، ليس بدافع الصراع الإيديولوجي، بل انطلاقًا من رؤية نقدية تزاوج بين المعرفة والمسؤولية، وبين الذاكرة الجمعية واستشراف المستقبل.
أولًا: الإطار المفاهيمي – النقد، الحوكمة، والسرديات الدينية
*نقد السرديات الدينية بتفكيكٌ للأنساق الرمزية التي تُوظَّف فيها النصوص الدينية أو المرويات التاريخية لتبرير السلطة أو صياغة المعنى أو ضبط المجتمع.
*حوكمة السرديات الأمنية كآلية لتنظيم السرديات المؤسِّسة للسياسات الأمنية، بما فيها تصوُّرات التهديد والشرعية والمخاطر.
إن الدين كسردية رمزية ، ليس مجرد إيمان فردي، بل موردٌ تُستغل رموزه في تشكيل التصورات الأمنية من قبل الدول أو الجماعات المضادة (كالدعوية أو الاحتجاجية).
ثانيًا : الدين ومصنع الأمن الرمزي – مقاربة نقدية
بحسب فوكو، تعمل السلطة عبر إنتاج “الحقيقة” وضبط الخطاب، والدين أحد أبرز أنظمتها تأثيرًا. وعندما تُستثمر السرديات الدينية سلطويًا، فإنها تُشرعِن القرارات الأمنية باسم المقدس (مثل “مكافحة الفتنة” أو “البيعة الشرعية”) و تصنع “العدو” داخليًا (المرتد، الزنديق، الكافر السياسي) ، كما تعزز ثقافة الطاعة النصية على حساب الحوار والمشاركة.
وهكذا – كما يرى بول ريكور – تتحول المرويات الدينية إلى “ذاكرة مؤدلَجة” تُخضع المستقبل للماضي وتُقدِّس الانقسام.
ثالثًا: الصراع السردي بين الديني والأمني – نموذج المغرب
تتجلى تداخلات السرديات الدينية والأمنية في ثلاث مستويات:
السردية الرسمية والتي تُركّز على “إمارة المؤمنين” كإطارٍ يدمج السلطتين الدينية والسياسية ضمانًا للأمن الروحي.
السردية الدعوية والتي تتبناها الحركات الإسلامية كبديلٍ أخلاقي، مستندةً إلى الشرعية الدينية.
السردية الجهادية : تُحوِّل السلطة إلى “طاغوت” وتُبرر العنف عبر الرموز الدينية.
هنا يصبح الدين ساحةً للصراع الرمزي، والأمن موضوعًا للتأويل الديني بدل العقلانية السياسية.
رابعًا: من النقد إلى الحوكمة – إطار لسياسة سردية بديلة
لا يهدف النقد إلى معاداة الدين، بل إلى تحريره من التوظيف السلطوي، وبناء سردياتٍ مدنية تقوم على:
تعددية التأويل في الفضاء العمومي.
فصل الوظيفة العقدية عن الأمنية** دون إنكار الروابط الثقافية.
الأمن المواطني القائم على الحقوق لا الولاءات.
تبني مقاربات كـ”الأمن الإنساني” (بدل السلطوي) و”أخلاق العناية” (محمد بهضوض).
خامسًا: التفكير النقدي التوقعي كمنهجية
يُعتبر هذا النهج الأقدر على تحليل العلاقة بين الدين والأمن، بوصفهما خطابين متداخلين لا جوهرين متعارضين. وهو يسعى إلى:
* تجاوز تقديس السلطة.
* فهم التدين في عصر اللايقين.
إنتاج خطاب أمني يعترف بالتعددية دون اختزال.
وفي آخر التحليل ، يظل نقد السرديات الدينية ضرورةً لفكّ اشتباك الأمني بالديني، ولتأسيس أمنٍ يعتمد على تحرير المعنى لا قمعه. فالحوكمة الرشيدة للسرديات الأمنية تستلزم موازنةً بين المقدس والمدني، وبين السلطة والضمير، في زمنٍ يختلط فيه الإيمان بالسياسة، والماضي بالمستقبل.
*منسق “دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات