ابرز بلاغ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع المنارة – مراكش، تفشي الفساد المالي والمحاسبي والإداري بمدينة مراكش، وتورط مسؤولين رسميين في اختلالات وتسيب وفوضى عارمة يتحدث عنها كل من له علاقة بالمرفق العمومي داخل قطاعات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر التعمير والعقار، حيث تفشي استغلال النفوذ وتغييب العدالة الضريبية.
جاء فيه ” تتابع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش ، بقلق بالغ، كما يتابع الرأي العام المراكشي ما تشهده المدينة من مظاهر متفاقمة للفساد المالي والمحاسبي والإداري، في ظل تواطؤ مسؤولين رسميين في مؤسسات منتخبة وإدارية، وتغاضي جهات رقابية عن هذه الاختلالات الصارخة في تدبير المال العام، وتفويت عقارات، وتمرير مشاريع استثمارية خارج الضوابط القانونية، بما يهدد أسس الحكامة، ويقوض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الفصل 154 من الدستور المغربي.
لقد حدث – يضيف البلاغ الحقوقي – ما نبهت إليه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مرارا وتكرارا قبل ان تفجر مؤخرا على تقارير إعلامية بمتابة فضيحة كبرى تتعلق بمسؤولة منتخبة تشغل منصبا وزاريا وموقعا قياديا في المجلس الجماعي لمدينة مراكش ، حيث تثار شبهات حول تدخلها المباشر في تحويل أراض فلاحية إلى حضرية لفائدة مشاريع عقارية خاصة، دون احترام المساطر القانونية، مما يفتح الباب أمام استغلال النفوذ وتضارب المصالح. كما يشتبه في استفادتها لإعفاءات ضريبية غير مبررة لفائدة مستثمرين بعينهم، واللجوء إلى اسلوب التضليل بعدم التصريح بالثمن الحقيقي للمبيع ، في خرق واضح لمبدأ العدالة الجبائية ، وتفريط في موارد مالية عمومية، ناهيك عن التعسف في استعمال السلطة في حق مسؤولين بالوكالة الحضرية بمراكش نظرا لرفضهما ما يسمى التعليمات الهادفة إلى خرق القانون .
من جهة أخرى، يكشف ملف مؤسسة العمران عن اختلالات جسيمة، أبرزها ما يتعلق بمشروع “الغالي”، الذي تم بيعه بثمن إجمالي قدره 31 مليون درهم، بينما لم تتسلم المؤسسة سوى 3 ملايين درهم، وسط غياب أي توضيح رسمي حول مصير باقي المبلغ. والأخطر من ذلك ـ يشير البلاغ ذاته ـ أن حوالي 700 مستفيد من المشروع، بينهم فئات من السكن الاجتماعي، تعرضوا لعمليات نصب واحتيال، دون أن تتحرك الجهات المعنية لحمايتهم أو فتح تحقيق في الموضوع، ناهيك عن الفساد الذي طال عدة برامج أشرفت عليها المؤسسة خاصة تلك المتعلقة بإعادة الهيكلة وبرامج الإسكان، والتفويتات لعقارات بالزبونية والمحسوبية وما أكثرها.
كما أن ملف الأسواق النموذجية، خاصة في العزوزية والحي المحمدي بالداوديات، يكشف عن تلاعبات خطيرة في لوائح المستفيدين، وتفويض غير قانوني لتدبيرها لجمعيات غير مؤهلة، وسط تخلي المجالس المنتخبة عن مسؤولياتها، مما أدى إلى استمرار إغلاق هذه المرافق، وحرمان مئات الباعة من حقهم في الاستقرار المهني والاجتماعي.
أما قطاع النظافة، فيُعاني من اختلالات بنيوية، أبرزها عدم احترام دفتر التحملات من طرف الشركات المفوضة، وتراكم الأزبال في العديد من الأحياء، وظهور نقاط سوداء تهدد الصحة العامة، في ظل غياب الرقابة الفعلية، وتحول لجان التتبع إلى آليات شكلية لا أثر لها على أرض الواقع.
وفي ما يتعلق بالمحطة الطرقية الجديدة بالعزوزية ، فقد استنزفت ما يفوق 12 مليار سنتيم من المال العام، ضمن برنامج “الحاضرة المتجددة”، ورغم انتهاء الأشغال منذ أكثر من سنتين، لا تزال مغلقة، وسط شبهات فساد تتعلق بتغييرات مشبوهة في التصاميم، تفويت عقارات عمومية لشركات خاصة، تأسيس شركات وهمية من طرف منتخبين نافذين، واستغلال النفوذ لتمرير صفقات مشبوهة.
أما المديرية الجهوية للضرائب، فحدث ولا حرج. فقد شهدت في الأشهر الأخيرة جدلا واسعا بعد تداول تقارير إعلامية تفيد بوجود تسيب واختلالات في تدبير لملفات الضريبية، واتهامات بمنح امتيازات ضريبية غير مفهومة لبعض المرتفقين عبر علاقات شخصية، في غياب العدالة الإدارية. كما أُثيرت تساؤلات حول إغلاق قسم الاستقبلات مع الساعة الثانية بعد الزوال في وجه المرتفقين دون أي مبرر مع العلم ان التوقيت الادري في كل الادارات العمومية يستمر الى حدود الساعة الرابعة والنصف وهذا الإجراء بعلم السيد المدير الجهوي، الى جانب وجود سلوكيات غير مهنية يتعرض لها المرتففين داخل مكتبه، حيث يمنع المرتفقون من الدخول إلا بإذن من موظفة غير مخولة قانونا، مما يعد خرقا واضحًا لمبدأ المرفق العمومي المفتوح والمتساوي أمام المواطنين. هذه الممارسات، التي لم يصدر بشأنها أي بلاغ رسمي من الوزارة الوصية، تغذي الشكوك حول وجود تلاعبات في الإعفاءات والتحصيل، وتستدعي فتح تحقيق داخلي مستقل.
إن هذه الممارسات تشكل انتهاكا صارخا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتفريطا ممنهجا في المال العام، وتواطؤا مؤسساتيا يرقى إلى مستوى الجريمة الاقتصادية، ويستوجب فتح تحقيقات عاجلة، شفافة ومستقلة، وترتيب الجزاءات القانونية في حق كل من ثبت تورطه أو تقاعسه في أداء مهامه، وفقا لمقتضيات القانون الجنائي المغربي، خاصة الفصول المتعلقة بالرشوة، استغلال النفوذ، تبديد المال العام، وتضارب المصالح.
كما أن هذه الانتهاكات تتعارض مع التزامات المغرب الدولية، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب سنة 2007، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص على الحق في السكن اللائق، والولوج العادل إلى الموارد العمومية، والشفافية في تدبير الشأن العام.
إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش، نطالب الجهات الرسمية المعنية، وطنيا وجهويا ومحليا، بما يلي:
– فتح تحقيق قضائي وإداري مستقل في شبهات الفساد المرتبطة بقطاع التعمير والعقار بمراكش
– تفعيل آليات العزل والمساءلة في حق المسؤولين المتورطين في تضارب المصالح واستغلال النفوذ
– مراجعة ملفات تفويت الملك العمومي، بما فيها الأراضي التابعة للمؤسسة العسكرية
– إخضاع مؤسسة العمران لتدقيق مالي وتقني شامل، بالنظر إلى استمرار خروقاتها في المشاريع السكنية
– التحقيق في ملف المحطة الطرقية الجديدة، وتحديد المسؤوليات المالية والإدارية
– مراجعة تدبير الأسواق النموذجية، وضمان الشفافية في لوائح المستفيدين
– تفعيل الرقابة على قطاع النظافة، ومحاسبة الشركات المفوضة على عدم احترام دفتر التحملات
– فتح تحقيق داخلي في خروقات المديرية الجهوية للضرائب، وضمان احترام المرفق العمومي لمبادئ الشفافية والمساواة .
– تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، خاصة المادة 68 المتعلقة بالامتناع عن تنفيذ المهام المفوضة
كما نؤكد أن الجمعية ستواصل متابعة هذه الاختلالات، من أجل وقف هذا العبث، وصون الحقوق، وحماية المال العام، وإعادة الاعتبار لمدينة مراكش كمجال حضري يجب أن يدار بمنطق العدالة والمساواة، لا بمنطق الزبونية والريع.