مصطفى المنوزي
من المجال المحفوظ إلى تعاقد ثورة الملك والشعب : نحو دمقرطة صناعة القرار
منذ عقود، ظلّت صناعة القرارات الأمنية والتشريعية والمالية حبيسة ما يمكن تسميته بـ”المجال المحفوظ”. إنه ذلك الحيز الذي يُدار بمنطق الاحتكار، حيث تُمنع الأسئلة، وتُختزل الخيارات الكبرى في سردية مغلقة لا تقبل النقاش العمومي. غير أن ما يميز هذا المجال هو تداخله مع السردية الدينية التي تمنح الشرعية، والسردية الأمنية التي تفرض الطاعة، لتنتج معًا خطابًا هجينيًا يضع التشريع والمالية في موقع التبعية، بدل أن تكونا مجالين للتداول الحر والمسؤولية المشتركة.
لكن المغرب، بتاريخيه السياسي والوطني، لم يُبنَ على منطق الاحتكار، بل على تعاقد مقاوم ومتجدد اسمه ثورة الملك والشعب. هذه الثورة لم تكن حدثًا عابرًا في الزمن، بل شكلت تعاقدًا ممتدًا بين الشرعية التاريخية للدولة وإرادة التحرر الشعبي. وهو تعاقد لا يكتمل إلا إذا انفتح على أفق جديد: أفق الثورة الوطنية الديمقراطية التي تعيد الاعتبار للحق في المشاركة، وتربط بين الاستقلال السياسي والاستقلال المجتمعي، أي بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الوصاية الداخلية على القرار العمومي.
اليوم، ونحن في زمن التحولات العميقة، يصبح من الضروري إعادة تأويل مفهوم ثورة الملك والشعب باعتباره مشروعًا مفتوحًا، لا مجرد ذكرى رمزية. مشروع يتطلب:
1. دمقرطة المجال المحفوظ بإخضاع القرارات الأمنية والتشريعية والمالية لآليات المراقبة والمساءلة العمومية.
2. إعادة توزيع السلطة المعرفية من خلال جعل المعلومة العمومية متاحة، بما يتيح للمجتمع المدني والقوى الحية تقييم البدائل واقتراحها.
3. توسيع دائرة المشاركة لتشمل الفاعلين السياسيين والحقوقيين والاجتماعيين في صياغة الخيارات الاستراتيجية التي ترسم مستقبل الوطن.
بهذا المعنى، فإن ثورة الملك والشعب ليست مجرد تذكير بتاريخ التحرر الوطني، بل هي دعوة متجددة إلى تعاقد جديد: تعاقد وطني–ديمقراطي يربط بين الأمن باعتباره حقًا جماعيًا، والتشريع باعتباره ملكًا عامًا، والمالية باعتبارها وسيلة للتوزيع العادل للثروة والفرص.
إن التحدي الأكبر أمام الفاعلين السياسيين والحقوقيين اليوم هو أن يُترجموا هذا الأفق إلى مشاريع ملموسة، تضمن الحق في المشاركة وتوسع من رقعة الديمقراطية التشاركية، حتى لا تبقى القرارات المصيرية حكرًا على مجال محفوظ، بل ملكًا مشتركًا لكل المواطنين، وفاءً لروح ثورة الملك والشعب كـ”تعاقد ممتد” نحو الثورة الوطنية
ولأن المناسبة شرط ، فقد وجب التذكير بضرورة المشاركة الجماعية للإعداد لليوم العالمي للديموقراطية والذي يصادف يوم يوم 15 شتنبر 2025 ، ولهذه الغاية نذكر أيضا بالبيان المنشور تحت عنوان “” من أجل المشاركة في صناعة القرار “”
، وهذا نصه :
نحن، في مواجهة اتساع المجال المحفوظ وانكماش المجال العمومي، نوجّه نداءً صريحًا إلى الفاعلين السياسيين والحقوقيين:
* لنجعل من ثورة الملك والشعب تعاقدًا متجددًا لا يتوقف عند الرمزية، بل يمتد إلى جوهر المشاركة في القرار العمومي.
* لنعمل على دمقرطة صناعة القرار الأمني والتشريعي والمالي، باعتبارها قضايا سيادية تمس حاضر الوطن ومستقبله، ولا يجوز أن تبقى حكرًا على دوائر مغلقة.
* لنتجاوز منطق الديمقراطية الصورية كطقس انتخابي موسمي، نحو ديمقراطية تمثيلية فعالة مدعومة بآليات تشاركية دائمة تضمن الشفافية والمساءلة.
* لنجعل من الفعل الحقوقي قوة اقتراحية، قادرة على ربط الحق بالواجب، والمواطنة بالمسؤولية، والشرعية بالمشروعية.
إن التحدي المطروح اليوم لا يخص مؤسسات الدولة وحدها، بل يهم كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، في أفق بناء عقد وطني–ديمقراطي جديد، يعيد التوازن بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والحرية، وفاءً لروح ثورة الملك والشعب كتعاقد ممتد نحو الثورة الوطنية الديمقراطية.