آخر الأخبار

تصريح الذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الانسان

تصريح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
بمناسبة الذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10 دجنبر 2023.

تحل اليوم،10دجنر2023، مناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في الذكرى 75 لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وهي مناسبة ما انفكت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحييها إلى جانب جميع مكونات الحركة الحقوقية والديمقراطية في سائر أرجاء المعمور، في سياق ظرفية دولية بالغة الدقة والحرج، نظرا لما تحبل به من مخاطر وتهديدات تلقي بظلالها القاتمة على مستقبل البشرية وتطلعاتها نحو عالم متضامن ومتوازن وعادل، خال من الأزمات والحروب، يضمن المساواة بين الدول والشعوب وينعم الناس داخله بالسلم وبثمار تنمية حقيقية ومستدامة.، كما تخلد الجمعية هذه المناسبة، هذه السنة، في ظل ظرفية خاصة تتسم بتدهور شامل لأوضاع حقوق الإنسان ببلادنا.

فعلى المستوى الدولي، تسجل الجمعية الانهيار الأخلاقي والقيمي لدول الغرب الامبريالي وتنكرها للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الانساني، بدعمها اللامتناهي لكيان الاحتلال الصهيوني العنصري في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني عقب العدوان الصهيوني النازي على غزة، من خلال تقتيل الأطفال والنساء والقصف المكثف والتدمير العشوائي للمنازل المكتظة والخدمات الأساسية العمومة بما فيها المدارس والمستشفيات، وقطع إمدادات الماء والكهرباء والمواد الغذائية والوقود، والتهجير القسري للسكان واغتيال الصحفيين والأطر الطبية وأطقم الإسعاف… وأبانت الأمم المتحدة عن عجزها وعن فقدان مصداقيتها، في مواجهة الهمجية الوحشية الصهيونية، وبدا أنها رهينة للإمبريالية الأمريكية الراعي الرئيسي للحرب المدمرة، والداعم الرئيسي للكيان الصهيوني، وتفسخت واضحة سياسة الكيل بمكيالين التي ينهجها الغرب الإمبريالي في انحيازه ودعمه للكيان الصهيوني، كما تكشف عاريا تواطؤ جل الأنظمة العربية المطبعة مع هذا الكيان، وفي المقابل تصاعدت أصوات الشعوب في مختلف بقاع العالم ومعها القوى الداعمة للتحرر والانتصار للقيم الإنسانية ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة والعيش بسلام على أرضه، وفقا لقواعد ومبادئ القانون الدولي، مطالبة بوقف الابادة الجماعية بغزة، وتقديم دعاوي قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ومعاقبة عصابات الاحتلال الصهيوني.

وأفضى استمرار الحرب المحتدمة بين روسيا والغرب الإمبريالي ممثلا في حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فوق التراب الأوكراني، وفرض العقوبات على روسيا، إلى ارتفاع صاروخي لأثمان جميع المواد، وفي مقدمتها المواد الطاقية، مما يشكل تهديدا للأمن الغذائي للعديد من الشعوب، وذلك كله على خلفية بروز تقاطبات جيوسياسية عالمية جديدة، وأزمات اقتصادية ومالية بنيوية متعاقبة، ما فتئت تولدها إرادة الهيمنة الإمبريالية الأمريكية والغربية، وتغذيها السياسات الرأسمالية الليبرالية المتوحشة، التي يتم السعي لحلها على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الأساسية للمواطنات والمواطنين وكذلك على حساب حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

ويشكل صعود اليمين المتطرّف في أوروبا واتساع دائرة العنصرية وكراهية الأجانب في الدول الأوروبية، التي تعرف بعض دولها انتهاكات لحقوق مواطنيها أيضا، خاصة الحق في التظاهر السلمي، مصدر قلق بالنسبة لحركات حقوق الإنسان بهذه البلدان؛ كما تسجل الجمعية العودة اللافتة للانقلابات العسكرية في أفريقيا وإن كانت هذه المرة لمواجهة السياسات الاستعمارية والهيمنة خاصة الفرنسية، وما تلاها من فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية وآثارها الكارثية على الأوضاع المعيشية للسكان بهده البلدان.

أما على الصعيد الوطني، فإن أوضاع حقوق الإنسان لم تشهد، خلال سنة 2023، أي تطور إيجابي ملحوظ يذكر، إذ واصلت الدولة فرض قيودها على الحق في التنظيم والتجمع، فواصلت استخدام القوة المفرطة لفض العديد من أشكال الاحتجاج والتظاهر السلمي، وتضييقها على حرية الرأي والتعبير، واعتقالها للصحفيين والنشطاء في مواقع التواصل الرقمي والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الحركات الاجتماعية وكل الأصوات الناقدة للسلطوية، الذين يجري إخضاع بعضهم لمحاكمات جائرة، لا تحترم مبادئ ومعايير المحاكمة العادلة. فيما لم تعمل السياسات العمومية الليبرالية المتوحشة المتبعة، حتى الآن، سوى على التقويض الشامل والمتوالي لأهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتكريس مختلف أوجه اللامساواة والتمييز، عبر تصفيتها المتدرجة للمرافق العمومية والخدمات الاجتماعية والدعم العمومي، والسعي للقضاء على صندوق المقاصة، وفشلها في توفير العمل اللائق للجميع وسعيها للمزيد من المس باستقرار الشغل، وحرمانها لشرائح عريضة من المواطنين/ات، تتضاعف أعدادها، من الحق في الوصول إلى الموارد الضرورية التي توفر لها مستلزمات العيش الكافي والكريم، وتقاعسها عن التمكين الفعلي لحقوق النساء، والأطفال، والأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء؛ وارتمائها الكامل في أحضان الكيان الصهيوني وإبرام اتفاقيات خيالية معه في كل المجالات، مما يفتح الباب أمام الخطر التخريبي للصهيونية ويرهن السيادة الوطنية للبرامج الصهيوإمبريالية.

كما أن كارثة زلزال الاطلس الكبير ليوم 08 شتنبر اظهرت غياب أية مقاربة ناجعة للتعامل مع الكوارث والمناطق المنكوبة، حيث اتسمت تدخلات الدولة المتأخرة بالضعف وعدم النجاعة واستمر هذا الوضع الموسوم بالارتجالية إلى الآن مما جعل المنكوبين يعيشون أوضاعا صعبة لولا التضامن الواسع للمواطنين والمواطنات.

وتناغما مع الشعار الذي اختارته الأمم المتحدة هذه السنة لليوم العالمي لحقوق الإنسان”الكرامة والحرية والعدالة للجميع” فقد اختارت الجمعية شعار” جمعية قوية ونضال وحدوي من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية للجميع”، وذلك لتجديد تأكيدها على التزامها بالعمل الدؤوب والنضال الوحدوي من أجل فرض احترام حقوق الإنسان والنهوض بها في كونيتها وشموليتها؛ معتبرة أنه لا مناص للحركة الحقوقية والديمقراطية من سلوك سبيل العمل المشترك على أساس الميثاق الوطني لحقوق الإنسان.

على مستوى الوضع الاتفاقي، تـسجل الجمعية:

– استمرار رفض الدولة المغربية أو تلكؤها في التصديق على العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق بتقديم البلاغات وعدم رفعها للتحفظات والإعلانات بخصوص البعض منها، بالإضافة إلى عدم تصديقها على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وفي مقدمتها الاتفاقية 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم؛

– ضعف التجاوب الفعال مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، ورفض تنفيذ العديد من التوصيات الصادرة عن الاستعراض الدوري الشامل ولجان المعاهدات والإجراءات الخاصة عن الآليات الدولية الأخرى، كما هو الشأن بالنسبة لقرارات الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، وعدم توجيه دعوات دائمة إلى المكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة، ورفض الاستجابة لطلبات أغلبهم، والتأخر في وضع التقارير لدى لجان معاهدات حقوق الإنسان لا سيما التقرير حول التعذيب.

– محدودية مهام وأداء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، التي تم إلحاقها بالمجلس الوطني لحقوق الانسان ضدا على مطالب الحركة الحقوقية، وعدم نشر التقرير السري الذي أرسلته اللجنة الفرعية لمنع التعذيب في عام إلى المغرب في فبراير 2019، بعد زيارتها للمغرب في أكتوبر 2017.

على المستوى الدستوري والتشريعي:

تعتبر الجمعية أن الدستور المغربي في جوهره مشبع بالاستبدادية وتكثيف السلط بشكل مطلق في يد الملك ، مما يستدعي إقرار دستور ديمقراطي علماني شكلا ومضمونا، يرسخ القيم الحقوقية الكونية وفي مقدمتها الحرية والكرامة والمساواة والعدالة والسلم والتضامن، وينبني على معايير حقوق الإنسان الكونية، ويكرس مبدأ سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، ويرسي السيادة الشعبية وينص على فصل حقيقي للسلط وللدين عن الدولة، وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في كل الجرائم السياسية والاقتصادية؛ كما يعترف بكافة الحقوق والحريات الفردية والعامة، بما فيها حرية العقيدة، وبكون اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية دون أية تراتبية تذكر.

أما على الصعيد التشريعي؛ فإن الجمعية ترى بأن مجمل القوانين والتشريعات الوطنية لا تتلاءم مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صدق عليها المغرب، مما يحد من نطاق إنفاذها وإعمالها، وأن مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان للمناقشة والدراسة والبت، أو التي لم تعرض بعد أو تلك التي تم التصديق عليها، لا تستجيب بشكل كاف لانتظارات الحركة الحقوقية المغربية، وتجدد رفضها تقديم مشاريع القوانين التنظيمية والقوانين والمراسيم أمام البرلمان للتصديق عليها قبل اكتمال النقاش العمومي حولها، بإشراك كل مكونات الحركة الديمقراطية والحقوقية المغربية، ودراسة مدى ملاءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى الخصوص مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب

وفي هذا الإطار، وبعد سحب مشروع القانون 16.10 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي من طرف الحكومة، فإن الجمعية ترفض التعديلات بالتقسيط على هذا القانون وتؤكد على ضرورة الإسراع بوضع مشروع متكامل وغير مبتور لتغيير القانون الجنائي، يستند إلى المرجعية الكونية لحقوق الإنسان وما سار عليه الفقه القانوني، وعلى التوصيات الصادرة عن الآليات الدولية لحقوق الإنسان ، وطرحه على الحركة الحقوقية والمختصين لإبداء الرأي فيه، قبل عرضه على البرلمان للمناقشة، وتدعو إلى سحب النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي تم تنزيله خارج المنهجية التشاركية مع المعنيين.

وبخصوص الملف المتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقمع السياسي؛ فبالرغم من انصرام أكثر من سبعة عشرة سنة على صدور التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، تسجل الجمعية ما يلي:

– التنصل من وضع العديد من التوصيات موضع التنفيذ، وأساسا منها تلك المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والقانونية، ووضع الاستراتيجية الوطنية لمناهضة الإفلات من العقاب ضمانا لعدم التكرار، والتوصيات الخاصة بحفظ الذاكرة، والاعتذار الرسمي والعلني للدولة، والجبر الحقيقي للأضرار المجالية والتصديق على الاتفاقيات الدولية؛

– التجاهل الكامل لآلاف الملفات الموضوعة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتعلقة بجبر الضرر الفردي؛

– استمرار الاعتقال السياسي والمحاكمات غير العادلة، ومواصلة الدولة رفضها الاستجابة لقرارات فريق الأمم المتحدة الخاص بالاعتقال التعسفي، ولجنة مناهضة التعذيب التي تطالبها بإطلاق السراح الفوري لمجموعة من المعتقلين السياسيين وجبر أضرارهم.

– عدم الكشف عن مصير كافة المختطفين مجهولي المصير، وخصوصا الذين أبقت هيئة الإنصاف والمصالحة البحث مفتوحا بشأنهم؛ ومن بينهم المهدي بنبركة، الحسين المانوزي، عبد الحق الرويسي وعبد اللطيف زروال، وعشرات المفقودين الآخرين غيرهم والذين يقدر عددهم حسب لجنة العائلات ب 69 مجهول المصير، وحسب الفريق الاممي المعني بالاختفاء القسري 153 مجهول المصير؛

– عدم الكشف عن نتائج الحمض النووي، التي خضعت لها عائلات بعض ضحايا الاختفاء القسري ومجهولي المصير، وعدم الإفصاح عن هوية عدد من المتوفين وتسليم رفاتهم إلى عائلاتهم؛

– وضع العراقيل أمام الضحايا والعائلات عند اللجوء إلى القضاء قصد إجراء تحقيقات قضائية في حالات الاختفاء القسري؛

وفي هدا الإطار، تطالب الجمعية الدولة المغربية ب:

– الاستجابة لمطلب الحركة الحقوقية بتشكيل الهيئة المستقلة للحقيقة، لكشف الحقيقة عن كافة الانتهاكات الجسيمة، وضمنها ملفات ضحايا الاختفاء القسري ومجهولي المصير؛

– الإسراع بتقديم الإعلانين المنصوص عليهما في المادتين 31 و32 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، المتعلقين باعتراف الدولة المغربية باختصاص اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في تلقي وبحث شكاوى الأفراد وكذا شكاوى الدول بشأن أخرى ودراستها؛

– إدماج مقتضيات الاتفاقية في التشريع الجنائي الوطني، وإعمال العدالة وعدم الإفلات من العقاب على أي فعل من أفعال الاختفاء القسري.

وفيما يهم ملف انتهاكات حقوق الإنسان في سياق مناهضة الإرهاب؛ فإن الجمعية، ترى أن الحد من مظاهر الإرهاب يجب أن يبنى على مقاربة شاملة لا تقف، فقط، عند المقاربة الأمنية الصرفة، بل يجب أن تضع في أولوياتها احترام حقوق الإنسان وأن تذهب إلى الأسباب العميقة لتصاعد المد الإرهابي على المستوى الإقليمي والدولي، والتي تعود في جوهرها إلى انتهاك حقوق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والثقافي والبيئي، واستحكام القوى الإمبريالية والصهيونية وقوى التسلط والاستبداد في المنطقة المغاربية والعربية؛ الأمر الذي يستدعي من الدولة المغربية:

–إلغاء القانون 03.03 المتعلق بمحاربة الإرهاب، وتبني تعريف دقيق للإرهاب يتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومراجعة قانون المسطرة الجنائية، لضمان حق الشخص المحتجز من الاتصال بمحام من اختياره مباشرة بعد اعتقاله، وتقليص مدة الحراسة النظرية ومنع التعذيب وسوء المعاملة؛

ونظرا للملابسات التي أحاطت بتوقيف معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية واعتقالهم، وعدم تمتعهم بشروط وضمانات الحق في المحاكمة العادلة، لا يفوت الجمعية أن تجدد المطالبة بإعادة محاكمتهم مع تمكينهم من حق التمتع بكافة شروط المحاكمة العادلة.

وفيما يتصل بالانتهاكات المرتبطة بالنزاع حول الصحراء؛ فإن الجمعية تجدد موقفها المعبر عنه من طرف مؤتمراتها، والمتجسد في المطالبة بالحل الديمقراطي والسلمي للنزاع ومناهضة الحرب، وبالتعاطي الحقوقي مع كافة الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بهذا الملف أيا كان مصدرها، بما يخدم الوحدة المغاربية المنشودة لشعوب المنطقة، ومن أجل السلم والديمقراطية والتنمية المستدامة.

أما فيما يتعلق بالحق في الحياة؛ فإن الوفيات الناتجة عن التعذيب أو الإهمال بمراكز الشرطة والدرك وفي السجون أو بالمستشفيات جراء الإهمال الطبي، أو الناتجة عن غياب شروط السلامة بأماكن العمل والأوراش أو أثناء التنقل للعمل، أو بسبب تدخل القوات العمومية دون احترام للمعايير الدولية ذات الصلة، أو بسبب الانتحار أو الناتجة عن حوادث السير المتكررة، تؤكد عدم صيانة وحماية هذا الحق من طرف السلطات المغربية؛

وإذا كانت الجمعية تطالب السلطات المختصة، وأساسا القضائية، بفتح تحقيق نزيه ومستقل في مثل هذه الوفيات، قصد تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، تفعيلا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب؛ فإنها تجدد استنكارها لانحياز القضاء وعدم الكشف عن حقيقة الوفيات، التي ذهب ضحيتها العديد من نشطاء الحركات الاحتجاجية، وعن نتائج التحقيقات التي تزعم أنها فتحتها بشأنها؛

وإذا كانت عقوبة الإعدام تشكل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، ومصادرة للحق في الحياة، فإن المغرب لازال يصر على عدم الانخراط في الدينامية العالمية حول إلغاء هذه العقوبة اللاإنسانسة، إذ ما فتئت المحاكم المغربية تصدر أحكاما بالإعدام، حتى وإن كانت الدولة لم تنفذ هذه العقوبة منذ 1993. ويعد امتناع المغرب المتواصل عن التصويت باللجنة الثالثة للأمم المتحدة على القرار المتعلق بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، تماشيا، على الأقل، مع ما هو قائم بحكم الواقع، مخيبا للآمال. لذا تجدد الجمعية مطلبها بإلغاء عقوبة الإعدام في التشريع والممارسة عملا بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والتصويت لصالح القرار الأممي المتعلق بوقف العمل بعقوبة الإعدام الموضوع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنعقد في دجنبر 2024، والتصديق على البرتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.

أما بخصوص التعذيب وسوء المعاملة؛ فإن الشكايات التي تتوصل بها الجمعية وما ينشر بوسائل التواصل الاجتماعي وتقارير العديد من الهيئات والائتلافات الوطنية لحقوق الإنسان تجمع كلها، على استمرار هذه الممارسات الخارجة عن القانون، بشكل واسع، أثناء الاعتقال والاستنطاق بمراكز الشرطة والدرك أو في السجون، أو خلال استعمال قوى الأمن للقوة المفرطة والعنيفة أو غير المتناسبة في حق المتظاهرين السلميين دون التقيد بمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب.

وبالنسبة لملف الاعتقال السياسي والتعسفي، فرغم تجريم الدستور للاعتقال التعسفي، فإن الجمعية، تسجل

استمرار الاعتقالات والمتابعات والاستنطاقات التعسفية، التي تمس المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ وضمنهم مناضلات ومناضلو الجمعية، والمدونون/ات، والصحفيون ونشطاء الحراكات الشعبية السلمية، خاصة بالريف وغيرها من المناطق، وحركات المعطلين، ومعتقلو ما يسمى بالسلفية الجهادية، والنشيطات والنشطاء الصحراويون، والمواطنات والمواطنون المحتجون على الحرمان من الحق في الشغل، والحق في السكن، والذين تجري متابعتهم بتهم الحق العام وتخضعهم لمحاكمات غير عادلة وجائرة.

وفي هذا الإطار، تم، بمبادرة مشتركة بين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب ومركز حقوق الإنسان بأمريكا الشمالية، الإعلان عن تشكيل لجنة دولية للمطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي حرية الرأي والتعبير بالمغرب، تضم شخصيات وطنية وإقليمية ودولية معروفة بتضامنها الأممي ودفاعها عن حقوق الإنسان.

وبخصوص الأوضاع داخل السجون؛ فإنها ما زالت تشكل مصدر قلق وانشغال للحركة الحقوقية، خصوصا بسبب ضعف التجهيزات، وقلة الأطر والموظفين، وسوء ظروف إقامة السجناء، نظرا للاكتظاظ الذي بات ظاهرة بنيوية تتغذى على اللجوء المتنامي للاعتقال الاحتياطي؛ مع ما يتمخض عن هذا من تأثيرات سلبية على كل مناحي العيش بالسجون؛ من حيث التغذية، والنظافة، والاستحمام، والفسحة، والزيارة، والتطبيب والعلاج ومتابعة الدراسة، مما يدفع العديد من السجناء، بمن فيهم المعتقلون السياسيون، إلى خوض إضرابات عن الطعام.

وفيما يظل عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب متواضعا، ولا يجري تحريك اللجان الإقليمية لمراقبة السجون للقيام بمهامها المتمثلة في الزيارات الدورية للمؤسسات السجنية، فإن ما يتسرب من معلومات بخصوص ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، تكتفي المندوبية العامة لإدارة السجون دائما بمواجهتها بإصدار بيانات تكذيبية، كما أن المندوبية تستبق نتائج التحقيقات في بعض حالات الوفيات داخل السجون دون أن تجشم نفسها عناء انتظار نتائج التحقيقات القضائية حولها.

وبالنسبة للحق في التنظيم؛ فإن الجمعية ما زالت تسجل استمرار حملة التضييق الممنهجة على الحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات والانضمام إليها، من خلال امتناع السلطات عن تسليم وصولات الإيداع المؤقتة والنهائية لعدد من الهيئات السياسية والنقابية، والجمعيات الوطنية والمحلية أثناء تأسيس أو تجديد مكاتبها المؤسسة وفق القانون، ومن بينها عدد كبير من فروع جمعيتنا وعرقلة وصولها إلى التمويل كحق من حقوق الإنسان؛ استمرار التعسفات والحرمان من الحق في التنظيم رغم الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري لفائدة الإطارات ضحايا المنع التعسفي.

وفي مجال الحق في التجمع والتظاهر السلمي؛ تسجل الجمعية استمرار الاستخدام غير المشروع للقوة والتدخلات غير المبررة للقوات العمومية لتفريق مجموعة من المسيرات والوقفات والتظاهرات والتجمعات السلمية، المنظمة من طرف عدد من النقابات والتنسيقيات والحركات الاجتماعية والاحتجاجية في مختلف المناطق، كما تلجأ السلطة إلى اسلوب المنع للعديد من الوقفات والمسيرات وأحيانا منع حرية التنقل إلى بعض المناطق للمشاركة في الاحتجاجات؛

وتروم مختلف الاحتجاجات تحقيق أهدافها ومطالبها وعلى رأسها الدفاع عن المرفق العمومي والكرامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر ورفض الزيادة في الأسعار، والبطالة والطرد التعسفي من العمل والحق في العمل، ومواجهة الخصاص في البنيات التحتية، والحق في الإيواء والتعويض بالنسبة لمنكوبي زلزال الاطلس الكبير حيث تواجه احتجاجاتهم بالتنكر والقمع كما حدث بالجماعات الجبلية بشيشاوة وامزميز بالحوز وحي السلام بمراكش وغيرها من الدواوير المتضررة، والاحتجاج ضد قرارات وزارة التربية الوطنية بعد فرضها نظاما أساسيا مجحفا في حق نساء ورجال التعليم. كما أن الاحتجاجات الداعمة للشعب الفلسطيني والمناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني لم تسلم بدورها من المنع والقمع.

وفيما يرتبط بحرية الرأي والتعبير والإعلام والصحافة؛ بما في ذلك عبر الأنترنيت، فإن الجمعية تسجل ما يلي:

–ضعف الضمانات القانونية لممارسة الحق في الوصول السلس إلى المعلومة، كما أن قانون الصحافة والنشر، خاصة الصحافة الإلكترونية، يتضمن تهديدا حقيقيا لحريتها ويضع عراقيل متعددة للوصول للمعلومات وتلقيها ونشرها للعموم بما ينسجم والمعايير الدولية؛

–تواتر الاستنطاقات والتهديدات الأمنية والمتابعات القضائية لعدد من المدونين/آت ومستعملي/آت شبكات التواصل الاجتماعي على خلفية نشر تدوينات وفيديوهات للتعبير عن أرائهم/ن، حيث أدين بعض المتابعين/آت بعقوبات سالبة للحرية، أبرزها، على سبيل الذكر لا الحصر، محاكمة المدونة سعيدة العلمي والناشط الحقوقي رضا بنعثمان والمعتقل السابق على خلفية حراك الريف، ربيع الأبلق؛

– استمرار توظيف مقتضيات القانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر في متابعة ومحاكمة الصحافيين/آت والمدونين/آت والناشطين/ات الإلكترونيين/ات والمثقفين/ات والفنانين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وتعريض البعض منهم للسجن، وتجنيد مواقع إلكترونية موالية لجهاز الأمن لشن حملات التشهير بهم، وانتهاك معايير المحاكمة العادلة، أبرزها محاكمة الصحفيين المهنيين سليمان الريسوني وعمر الراضي والأكاديمي والمؤرخ والصحفي المعطي منجب والنقيب محمد زيان، وتوظيف القضاء للانتقام منهم، من خلال اعتقالهم ومتابعتهم بتهم جنائية خيالية وإصدار أحكام جائرة وقاسية في حقهم؛

– استمرار احتكار الدولة المغربية لوسائل الإعلام العمومية، وتسخيرها لخدمة سياستها البعيدة عن تطلعات المواطنين/اات في إعلام مستقل يخدم المصلحة العامة، وينشر ثقافة حقوق الإنسان وقيمها.

وفي علاقة بما تتعرض له حرية الصحافة؛ فإن الجمعية، إلى جانب كل المكونات المجتمعية، وضمنها الحركة الحقوقية المغربية تعتبر قانون الصحافة معيقا لحرية الرأي والتعبير، وتعتبر أن ترك المجال مفتوحا للقانون الجناىي قد يؤدي للزج بالصحفيين في السجون أو منعهم من ممارسة الصحافة لمدة طويلة، وتؤكد على إلغاء كل الإجراءات والفصول المقيدة للحرية والمخالفة للمعايير الدولية ذات الصلة وحذف الفصول السالبة للحرية والمكرسة للغرامات والتعويضات الباهظة التي قد تؤدي إلى إقبار عدد من المقاولات الصحفية.

وبخصوص الحريات الفردية وحرية المعتقد والضمير والوجدان؛ فعلى الرغم من التزام الدولة المغربية باحترام “حرية المعتقد والحرية الدينية”، فإن الجمعية تسجل استمرار تجريم حرية المعتقدات الشخصية والحريات الفردية، وتعاقب على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية، والإجهاض والعلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين بمقتضى فصول من القانون الجنائي، لهذا تجدد الجمعية مطالبتها بإلغاء كافة الفصول المجرمة للحريات الفردية من القانون الجنائي.

وفيما يتصل بملف القضاء؛ فإنه وبالرغم من الخطاب الرسمي حول إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، فإن واقع الحال يوضح أن المحصلة النهائية بهذا الخصوص، لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية ذات الصلة بإقامة العدل وتحقيق الأمن القضائي، خاصة مع تغول النيابة العامة بعد استقلالها عن وزارة العدل.

وعلى مستوى الواقع تسجل الجمعية:

– استمرار القضاء في تبييض الانتهاكات التي تتعرض لها الحقوق والحريات، من خلال الأحكام الجائرة والانتقامية بحق النشطاء السياسيين والنقابيين والحقوقيين ونشطاء الحركات الاحتجاجية الاجتماعية في مناطق عدة من البلاد؛

– التضييق على القضاة في مجال حرية التنظيم والتعبيروالتي تصل حد التوقيف عن العمل ؛

– اللجوء المفرط للاعتقال الاحتياطي، الذي يجب ألا يعدو كونه تدبيرا استثنائيا؛

– الاعتماد شبه الدائم على محاضر الضابطة القضائية في الإدانة وإصدار الأحكام.

وبخصوص أوضاع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان؛ تسجل الجمعية الاستهداف الواضح لهم/ن من طرف مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والذي اتخذ طابعا ممنهجا، خاصة منذ التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية بالبرلمان المغربي يوم 15 يوليوز 2014، والذي اتهم فيه الحركة الحقوقية المغربية بتلقي تمويلات أجنبية وخدمة أجندتها، والتشويش على عمل القوات الأمنية في مكافحتها للإرهاب. وقد تجسد ذلك فيما يلي:

– المنع الذي تعرضت له وتتعرض له الجمعية في تنظيم أنشطتها وتجديد مكاتبها الفرعية، وحرمانها من الدعم المالي والمادي، والضغط على القطاعات الوزارية الشريكة، وعلى مختلف شركاء الجمعية، وحرمانها كليا من استعمال القاعات العمومية بل وحتى الخاصة لاجل النهوض بثقافة حقوق الانسان، ومن تنفيذ مقتضيات الاتفاقية المبرمة مع وزارة التعليم لنشر قيم وثقافة حقوق الإنسان وتنشيط الأندية الحقوقية بالمؤسسات التعليمية؛

– المنع الذي تعرضت له عدد من الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية؛

– المتابعات والمحاكمات التي يتعرض لها المدافعات والمدافعون عن حقوق الإنسان، والزج بهم في السجون، من بينهم عضوات وأعضاء جمعيتنا؛

– التجسس على المدافعين/ات عن حقوق الإنسان عبر استخدام برنامج التجسس “بيكاسوس”، رغم تحذيرات المقرر الأممي المعني بحرية التجمع السلمي وتأسيس الجمعيات؛

– لجوء الدولة لتسخير القضاء لقمع المدافعين/ات عن حقوق الإنسان عبر إصدار أحكام جائرة في حق الصحافيين ومتابعة نشطاء الفضاء الرقمي للحد من حرية الرأي والتعبير؛

– توسيع دائرة الأعمال الانتقامية ضد الأصوات المعارضة والناقدة لسياسة الدولة التسلطية، خاصة المدافعات والمدافعون على حقوق الإنسان من خلال المتابعات القضائية ومنع التجمع السلمي وعرقلة تكوين الجمعيات وممارسة حظر عملي عليها.

أما في مجال حقوق المرأة؛ فقد سجلت الجمعية، على الخصوص، ما يلي:

– ضعف المؤشرات في مجال إعمال مبدأ المساواة بين الجنسين في كل المجالات، فعدد من التحفظات بشأن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ما زالت قائمة، فيما تمت إعادة صياغة بعضها في شكل إعلانات تحافظ من حيث الجوهر على روح تلك التحفظات؛ وما زال المغرب لم يصدق، بعد، على اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة لعام 1957، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى، وتسجيل عقود الزواج.

– الطابع المتسم بالتمييز لمدونة الأسرة، على مستوى المرجعية ومنطوق النصوص، وخاصة في القضايا الجوهرية، مثل تعدد الزوجات ومساطر الطلاق والولاية الشرعية، وتزويج القاصرات. وفي سياق مراجعة مدونة الأسرة، تؤكد الجمعية موقفها بضرورة اعتماد مقاربة شمولية وتشاركية لإعداد تشريع أسري يضمن المساواة في الحقوق انسجاما مع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة؛

– استشراء العنف ضد النساء الذي يشكل انتهاكا صارخا لحقوق المرأة وتهديدا للمساواة بين الجنسين وإهانة وتبخيسا لكرامة النساء، خصوصا العنف الأسري. وفي هذا الإطار، تؤكد الجمعية أن القانون 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء لا يوفر آليات فعلية وفعالة لحماية المرأة من العنف بكل أشكاله ولا يضع حدا للإفلات من العقاب؛

– ويظل مطلب تغيير جذري وشامل للتشريع الجنائي المتعلق بالمرأة ولقانون مكافحة العنف ضد النساء، بما يتلاءم مع مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة والإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، أحد المطالب الأساسية القائمة؛

– عدم تفعيل القانون التنظيمي المحدث لهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، رغم أنه لا يستجيب لانتظارات المنظمات الحقوقية والنسائية، ولا تتمثل فيه مواصفات مبادئ باريس للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان؛

– ضعف أداء الدولة بشأن الإجراءات التربوية والتثقيفية وبرامج التربية على المساواة، سواء في مجال المقررات المدرسية أو على مستوى الإعلام، الكفيلة بتغيير الأدوار النمطية لكل من الجنسين داخل المجتمع، كما تنص على ذلك الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة؛

– ضعف تقلد النساء لمناصب المسؤولية العليا، وتمركزهن الكبير في المناصب الدنيا، بالرغم من توفر العديد منهن على الكفاءة والمؤهلات التي تخولهن تحمل المسؤولية في المناصب العليا؛

– الانعكاس الشديد لآثار التدهور الذي تعرفه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على النساء، معمّقة حالات الفقر وسطهن ومسرّعة من وتيرتها بينهن؛ في حين مازالت أوضاع العاملات في البيوت جد مزرية رغم دخول قانون عمال المنازل حيز التنفيذ الذي لا يوفر حماية قانونية كافية لهذه الفئة من العاملات. أما العاملات الزراعيات فإنهن يتعرضن لكل أشكال الاستغلال والإذلال، ويتم نقلهن إلى الحقول الزراعية في أوضاع لا إنسانية وحاطة من الكرامة تؤدي في مرات عديدة إلى حوادث مأساوية. ولعل أصدق تعبير عن الأوضاع المهينة، القائمة على أشد أشكال الإقصاء والاستبعاد والتفقير، هو ما تتعرض له النساء المغربيات العاملات في حقول الفراولة بإسبانيا من استغلال جنسي واغتصاب في ظل عدم تحمل الدولة لمسؤوليتها في حمايتهن.

وبخصوص وضعية حقوق الطفل؛ فإن أهم ما ميزها هو ضعف التزام الدولة المغربية بتعهداتها في مجال حقوق الطفل، والمتمثل في عدم التنفيذ الكامل للتوصيات الصادرة عن لجنة حقوق الطفل والهيئات الأممية الأخرى ذات الصلة، وعدم الأخذ بالمصالح الفضلى للطفل في رسم السياسات العمومية، وتغييب المجتمع المدني في صياغة الخطط والبرامج للنهوض بأوضاع الطفولة؛ مما نجم عنه انتهاكات خطيرة مست الحق في الحياة والتسمية والتعليم والصحة؛ بالإضافة إلى سوء المعاملة والاعتداءات الجنسية، والتزايد المقلق لجرائم الاغتصاب خصوصا في صفوف الفتيات وذلك في ظل تساهل القضاء مع الجناة الذين يستفيدون، عموما، من أحكام قضائية مخففة؛

كما أن هناك مؤشرات تبين أن الاستغلال الجنسي للأطفال يتفاقم، حيث تنشط الشبكات الإجرامية المتاجرة في الأطفال؛ فضلا عن استغلالهم الاقتصادي في الحقول والمعامل والصناعة التقليدية وكخادمات في البيوت.

ورغم اعتماد قانون عمال المنازل ودخوله حيز التنفيذ، فإنه لا زالت تعتريه ثغرات عدة؛ حيث أقر بتشغيل الأطفال والطفلات الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة بصفتهم عاملات وعمالا منزليين، خلال فترة انتقالية لمدة 5 سنوات.

ومن جهة أخرى، مازال الأطفال يعانون من آفة الهدر المدرسي وانتشار الأمية في صفوفهم؛ فيما تتزايد أعداد أطفال الشوارع وفي وضعية صعبة والأطفال الموجودين في نزاع مع القانون، وتتفاقم هجرة القاصرين غير المرافقين.

والجمعية إذ تؤكد على ضرورة حماية المصلحة الفضلى للطفل، فإنها تدعو الدولة إلى:

– سحب الإعلان التفسيري بشأن الفقرة الأولى من المادة 14 من اتفاقية حقوق الطفل تماشيا مع إعلان فيينا، وجميع التحفظات التي أبدتها على الاتفاقية؛

– الالتزام بعدم الانضمام إلى أي عهد أو اتفاقية، إقليمية أو قطرية، تتعارض مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، خاصة اتفاقية حقوق الطفل.

وعلاقة بحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء؛ فرغم مرور عشر سنوات على إعلان المغرب عن “سياسة وطنية للهجرة واللجوء في سنة 2013 واعتماد الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء في كانون الأول/ديسمبر 2014، تعتمد المقاربة الشاملة والإنسانية والحقوقية، سواء في التشريع أو الممارسة، إلا أن الجمعية ما فتئت تسجل استمرار معاناة المهاجرين ببلادنا، خاصة مع تزايد خطابات التمييز والعنصرية والكراهية ضد المهاجرين، لا سيما المنحدرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء والانتهاكات الخطيرة لحقوقهم.

وعموما تسجل الجمعية بهذا الخصوص:

– عدم ملاءمة القانون 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة مع الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، واستمرار تجريم المهاجرين غير النظاميين، وعدم تنفيذ التوصيات الصادرة عن اللجنة الأممية للعمال المهاجرين في يونيو 2023. ولم يتم كذلك إصدار قانون خاص باللجوء وشروط منحه كما وعدت به السياسة الجديدة والاستراتيجية؛

– وما زال العمال المهاجرون بالمغرب، خصوصا غير النظاميين يتعرضون لسوء المعاملة والاعتقال والطرد من مقر سكناهم إلى مدن أخرى وتدمير ممتلكاتهم، وللعمل القسري، وللاستغلال الاقتصادي، لا سيما النساء والأطفال العاملون في المنازل، دون أية حماية قانونية أو قضائية، يضاف إلى ذلك صعوبة التمتع بالرعاية الطبية الكافية ووصول أولادهم إلى التعليم بالمدارس العمومية. ولم يتم إجراء التحقيقات في الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المهاجرون بالمغرب، لا سيما الأحداث المأساوية بالمعبر الحدودي بين الناظور ومليلية التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 23 مهاجرا، وإصابة العشرات بجروح في 24 يونيه 2022؛

– تسبب الهجرة غير النظامية من المغرب باعتباره بلد عبور للمهاجرين والمغاربة نحو الخارج في المزيد من المآسي والفواجع، مخلفة العديد من الغرقى المفقودين؛

– تزايد الإجراءات التي تضيق الخناق على المهاجرين المغاربة بالخارج بسبب تشديد قوانين الهجرة في أوروبا، وتوقيع اتفاقيات لإرجاع المغاربة المتواجدين على التراب الأوروبي في وضعية غير نظامية، بمبرر اعتبار الدول الأوروبية المغرب دولة آمنة؛

– تفاقم وضعية المهاجرين بالمنطقة المغاربية، خاصة في ليبيا جراء التعرض للاحتجاز التعسفي في مراكز وظروف غير إنسانية، وللعنف والتعذيب، والمس بسلامتهم الجسدية والنفسية، وعدم تدخل الدولة رغم نداءات واحتجاجات العائلات من أجل إرجاع أبنائهم؛

وبشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ تسجل الجمعية تعمّق الانتهاكات والتراجعات في هذا المجال، نتيجة النظام الاقتصادي السائد والسياسات والبرامج الحكومية الغارقة في الإذعان لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وخوصصة القطاعات الحيوية والاجتماعية، وضخامة خدمات المديونية، وانعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة على ميزانية الدولة المتعارضة مع التنمية والتشغيل؛ والانخراط الكامل للمغرب في العولمة من موقع الضعف؛ والنهب السافر للمال العام والثروات الوطنية مع استمرار الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية؛ إضافة لعجز مجلس المنافسة عن وضع حد للاحتكار وارتفاع الأسعار في مواد أساسية وحيوية وإلى استفحال الرشوة، وغياب الإرادة لدى الدولة لمحاربتها، وضعف الآلية الوطنية للوقاية منها وعدم ملاءمتها مع ما تنص عليه الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد. وهو ما يؤكده الترتيب المتدني للمغرب في في مؤشر إدراك الرشوة عالميا؛

وبينما الحكومة ماضية في الرفع من أسعار المواد والخدمات الأساسية، وإلغاء صندوق المقاصة، والإجهاز على مكتسبات الشعب المغربي بتمرير قوانين اجتماعية مجحفة تمس التعليم، الصحة، أنظمة التقاعد، فإنها في المقابل ما زالت لم تتوقف عن المضي قدما في تبني سياسة تقشفية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛

ومن جهتها لم تسفر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انطلقت منذ ما يقارب عقدين من الزمان، عن أي تحسن في رتبة المغرب في سلم التنمية البشرية، الذي يعده برنامج الأمم المتحدة للتنمية الذي احتل فيه هذه السنة المرتبة 123؛

وأوضع تقرير لمنطمة أوكسفام الدولية بعنوان “فجوة اللامساواة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا”، إلى أن التفاوتات في الدخل بالمغرب تعد جد مرتفعة؛ حيث أن 50% من السكان الأكثر فقرا لا يحصلون سوى على 13،5% من إجمالي الدخل الوطني، و37% بالنسبة للفئات المتوسطة، بينما يستحوذ 10% من الأكثر غنى على 49،5% من هذا الإجمالي. ويعد دخل النساء المغربيات البالغ 14% الأقل انخفاضا عن متوسط منطقة شمال إفريقيا والشرق المتوسط المقدر ب 15%. ويحتكر 10% الأكثر غنى 63% من إجمالي الثروات في المغرب، بينما لا يلوي 50% الأشد فقرا على غير 5% منها. كما أشار التقرير إلى أن التكلفة الإجمالية للحوافز الضريبية ( الإعفاءات) في المغرب في عام 2021 ، تعادل میزانیة الصحة بأكملھا لذلك العام، وأن غياب أي ضرائب على ھذه المكاسب المالیة، يدفع الفقراء والطبقات الوسطى الثمن من خلال تدابیر التقشف المكثفة. ويوصي التقرير بضرورة فرض ضرائب على الأغنياء للحد من اللامساواة.

بالنسبة للحق في الشغل، تسجل الجمعية استمرار الانتهاك الخطير لهذا الحق، فنسبة البطالة وصلت إلى مستويات قياسية حوالي 13,5% كما أن واقع البطالة المكشوفة أو المقنعة لملايين المواطنين والمواطنات، بمن فيهم مئات الآلاف من الشباب حاملي الشهادات العليا، يكشف حجم الخصاص لإعمال هذا الحق، خاصة في ظل التعامل السلبي للسلطات مع مطلب الحق في الشغل ــ عبر ضعف الإجراءات الجادة لخلق فرص الشغل أو عبر قمع الاحتجاجات السلمية ــ وكذا عدم وفاء الدولة بما التزمت به في التصريح الحكومي بخلق مناصب الشغل، ناهيك عن فقدان الالاف من العمال والعمال الزراعيين وفي قطاع الصناعة والخدمات لمناصب الشغل جراء الازمة الاقتصادية؛ وفي إجراء خطير على الشغل القار عملت الدولة على تمرير قانون يجيز التوظيف بالعقد المحدود الأجل من طرف الدولة. فيما تابعت الجمعية خلال هذه السنة الاعتداءات المستمرة ضد احتجاجات الأطر العليا المعطلة وأعضاء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين المطالبين بحقهم في الشغل.

وفيما يخص حقوق العمال والحقوق النقابية، فإن الجمعية تسجل استفحال الانتهاكات الخطيرة التي تطالها، فرغم أن مدونة الشغل لا تترجم التزامات المغرب على المستوى الدولي في مجال الحقوق الشغلية بما تتضمنه من سلبيات جوهرية متعلقة بما يسمى مرونة التشغيل ومرونة الأجور وبتهميش دور النقابة على مستوى المقاولة، فإنها عرضة للخرق بشكل كبير ومستمر. وهذا ما يتجسد بالخصوص في إغلاق المعامل والتسريحات الجماعية التعسفية وعدم احترام الحد الأدنى للأجور ومدة العمل والضمان الاجتماعي ومختلف العطل في قطاعات وازنة مثل الفلاحة والنسيج والسياحة والبناء والأشغال العمومية والصناعات الغذائية، وحتى من طرف قطاعات حكومية مثل الإنعاش الوطني، ناهيك عن القطاعات غير المنظمة؛ ويحصل كل هذا بعلم كافة السلطات، التي لا تقوم بالإجراءات اللازمة لردع المسؤولين عن انتهاك قوانين الشغل. هذا علاوة على تردي أوضاع العمل في غياب الشروط اللازمة والآمنة التي يشتغل فيها العديد من العمال والعاملات. وقد تابعت الجمعية العديد من حالات الحوادث المميتة داخل مقاولات صناعية ومناجم .

أما الحريات النقابية، فقد أصبحت عرضة للانتهاك أكثر على مستوى المقاولة والعديد من الإدارات مما أدى إلى ترهيب فئات واسعة من عمال القطاع الخاص وابتعادهم عن العمل النقابي، بينما لازالت الدولة تتملص من التصديق على الاتفاقية 87 للمنظمة الدولية للشغل. وقد عرفت هذه السنة سلسلة من انتهاكات الحقوق النقابية، من خلال إغلاق المعامل وطرد وتسريح العديد من العمال والعاملات، بسبب الانتماء والنشاط النقابيين، وتحيز السلطة للمشغلين وتدخلها ضد العمال والعاملات، بتعنيفهم واعتقالهم ومحاكمتهم خلال النزاعات الشغلية، كما يتجلى ذلك بالخصوص في استمرار معاناة العمال الزراعيين في العديد من المناطق، خاصة مع تنامي التشغيل بالمناولة، وتملص أرباب العمل من المسؤولية اتجاه تطبيق قانون الشغل لفائدة عمالهم.

وبشأن الحق في الإضراب؛ مازالت السلطات والمشغلون يواصلون الإجهاز على هذا الحق، عبر استعمال الفصل 288 من القانون الجنائي لاعتقال ومحاكمة وإدانة المضربين والاقتطاع من أجورهم، والانتقام بالطرد التعسفي للمسؤولين النقابيين.

وفي سياق الحراك التعليمي الذي بدأ منذ إعلان وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن المرسوم رقم 2.23.819 بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، تؤكد الجمعية على ضرورة إلغاء قرار الاقتطاع من أجور المضربين/ات غير القانوني وإرجاع كل المبالغ المالية المقتطعة للمتضررين/ات؛ مذكرا أن الحق في الإضراب حق مضمون بكافة القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، ووقف المتابعات القضائية في حق الأساتذة والاستاذات أطر الدعم المفروض عليهم/ن التعاقد، وتحقيق مطلبهم/ن العادل والمشروع المتمثل في إدماجهم/ان في الوظيفة العمومية بمنصب مالي وطني قار

وتجدد الجمعية التعبير عن رفضها مشروع القانون التنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب المصدق عليه من طرف المجلس الوزاري خلال الولاية الحكومية السابقة والذي جاء لتكبيل الحق في الإضراب كحق من حقوق الإنسان وعرقلة ممارسته والحد من فعاليته.

ولم تعرف الحقوق الاجتماعية الأخرى، التي تؤثر بشكل أساسي على الحق في العيش الكريم، تحسنا ملموسا فأكثر من 3.5 مليون مغربي انتقلوا إلى وضعية الفقر والهشاشة ذلك أنه انتقل 1,5 مليون شخص الى وضعية الفقر، فيما 2,05 مليون شخص إضافي انتقل الى وضعية الهشاشة بفعل موجة التضخم وما رافعها من غلاء الأسعار وارتفاع تكلفة المعيشة وتباطؤ توفير الشغل.(تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي).

وفيما يهم الحق في التربية والتعليم: تابعت الجمعية الظروف المزرية لقطاع التربية والتعليم بالمغرب والمتجلية أساسا في :

– تعثر المغرب في رفع تحدي تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة القاضي بضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، حيث ما زال المغرب يخضع لشروط وإملاءات المؤسسات المالية باعتماده إجراءات تدعم الخوصصة والعمل بالعقدة وتقليص كثلة الأجور ووضع نظام أساسي مجحف شكل رفضه إغراق المدرسة العمومية في توترات وهدر مدرسي تتحمل فيه الدولة كل المسؤولية، كما مازال بعيدا عن تطبيق إلزامية التعليم الأولي وتعميمه خاصة في البادية والمناطق الجبلية وهوامش المراكز الحضرية وشبه الحضرية، خصوصا بالنسبة للفتيات وتأمين الحق في التعليم للأشخاص في وضعيه إعاقة واستدامة التعلم، وعدم القدرة على ضمان التعليم الأولي وتعميمه، ناهيك عن تحقيق مدرسة الجودة وتمكين المؤسسات التربوية من الأطر اللازمة، والتجهيزات، والبنايات، والداخليات، والنقل المدرسي، وقد أظهر زلزال الأطلس الكبير والحلول المطروحة لمواجهة تداعياته غياب أية مقاربة للتعامل مع الكوارث وسلوك منطق الارتجالية في التعاطي مع مخلفات الزلزال وعدم القدرة على ضمان استمرار العملية التعليمية؛

– تفاقم وضعية منظومة التعليم بسبب غموض وضبابية الرؤية وتعدد الخطط لدى الوزارة الوصية بدون إخضاعها للتقيم من جهة، وبسبب اتخاذها قرارات غير مدروسة، هيْمَن عليها هاجس ضمان مصالح لوبيات قطاع التعليم الخاص الذي يستهدف الربح من عملية التمدرس، والمطابع من جهة أخرى، ما أدى إلى الإجهاز على مصلحة التلاميذ والتلميذات وحقوقهم-ن وحماية أسرهم-ن من الاستغلال المرتبط بعملية الدخول المدرسي؛

– قصوره عن تنفيذ التزامه بتحقيق الأهداف التي سطرتها البرامج الأممية للقضاء على الأمية، والخصاص الذي يعرفه القطاع في الأطر التربوية والإدارية نتيجة وصول أعداد مهمة لسن التقاعد وتزايد حالات الإحالة على التقاعد النسبي وعدم تخصيص مناصب مالية للقطاع، وإقرار نظام هش للتوظيف بالتعاقد كبديل لها؛

– الإبقاء على نفس المناهج والبرامج الدراسية التي لا تتلاءم وقيم حقوق الإنسان، والتضييق على أنشطة الأندية الحقوقية، وإقامة اتفاقيات مع جمعيات معروفة بولائها للصهيونية، ومنع أنشطة التثقيف الحقوقي وسط التلاميذ مما أدى إلى تفشي ظاهرة العنف ضد هيئة التدريس والتطبيع معه في الوسط المدرسي. إضافة إلى ضعف اكتساب تلامذة التعليم العمومي للكفايات الأساسية في مواد اللغات والرياضيات، واتساع دائرة الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة، والإجهاز على المدرسة والجامعة العموميتين عبر ضرب المجانية، وفرض الخوصصة التدريجية والإعلان عن توجه استراتيجي للشراكة مع القطاع الخاص؛

– تسييد المقاربة الأمنية والقمعية اتجاه الاحتجاجات والأشكال النضالية للحركة الطلابية بالاستعمال المفرط للقوة واقتحام الحرم الجامعي من طرف القوات العمومية لتفريق المظاهرات والاعتصامات في العديد من الجامعات مع ما يرافق ذلك من اعتقالات وتعنيف للطلاب يصل حد الاعتداء الجسدي والتعذيب والمتابعات والمحاكمات.

الحق في الصحة: تسجل الجمعية تدهور الخدمات الصحية وتراجع الوصول للعلاج بالنسبة للمواطنين والمواطنات، وإفلاس المنظومة الصحية وفشلها في تأمين الحماية الواجبة للمواطنين/ات؛ حيث ما زال يتم تسجيل حالات متعددة لنساء يضعن في شروط مهينة، ووفيات بسبب الإهمال وشروط العمل المتردية في المستشفيات، وارتفاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب الأسر المغربية من النفقات الإجمالية على الرعاية الصحية؛ هذا بالإضافة إلى ما يلي:

– النقص الحاد في الموارد المالية والبشرية، وهشاشة البنيات التحتية، والنقص في الأدوية والتجهيزات، وسوء التسيير والتدبير، وتخلي الدولة عن مسؤوليتها الأساسية في ضمان الحق في الصحة للجميع، ويظهر ذلك في ضعف الميزانية المرصودة، والصفقات غير الشفافة ؛

– التفاوت الحد بين الجهات وداخل الجهات في توزيع الأطر الطبية والتمريضية وعدم التناسب ما بين نمو السكان وعدد الأطباء، بالإضافة إلى النقص في التخصصات ذات الأولوية؛

– ضعف نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO ويجهل مصير باقي المواطنين، الذين كانوا يعانون مع بطاقة راميد، إثر إلحاقهم بشكل إلكتروني بصندوق الضمان الاجتماعي للاستفادة من التغطية الصحية ؛

– ضعف مراقبة الدولة للمرافق الصحية المتعلقة بالقطاع الخاص، مما جعل المواطنين/ات عرضة للابتزاز والمضاربات التي تستنزفهم ماديا؛

– الإهمال الشديد للمرضى المصابين بأمراض عقلية ونفسية، وضعف البنيات الاستشفائية، والنقص الحاد في الأطر الطبية المختصة في هذا المجال.

الحق في السكن اللائق :تسجل الجمعية أن هذا الحق يتعرض ببلادنا لانتهاكات متعددة؛ تتراوح ما بين الحرمان الكامل منه، كما هو الشأن بالنسبة للمشردين وضحايا الإخلاءات القسرية، وفئات عريضة من المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء الذين يعيشون في مخيمات أو في العراء؛ أو كما هو الحال عند قاطني دور الصفيح والأحياء غير المهيكلة؛ حيث تنعدم الشروط الدنيا المتطلبة لاستيفاء معايير السكن اللائق الذي يحفظ كرامة الإنسان ويوفر له الخصوصية والأمان؛
وفيما تلاحظ الجمعية استمرار آفة دور الصفيح والبناء العشوائي تحت أعين السلطات وبمباركة منها، فإنها تسجل اعتماد المقاربة الأمنية في التعاطي مع هذا الملف، غير عابئة بما ينجم عن ذلك من مآس اجتماعية وانتهاك بليغ للمعايير والمبادئ الدولية، نتيجة هدم هذا النوع من المساكن والإخلاء القسري للقاطنين بها والإلقاء بهم في العراء، وغالبا ما تقوم بذلك تحت جنح الظلام وبشكل مفاجئ للسكان، وفي حالات عديدة، يتم ترحيلهم وتوطينهم بمناطق جديدة وبعيدة عن بيئتهم ومحيطهم الاقتصادي والاجتماع في غياب تام للمرافق الاجتماعية وخاصة المدارس والمستشفيات؛

وبالموازاة مع هذا تستمر المساكن في “المدن العتيقة” في الانهيار في غياب العناية بها وإيجاد الحلول لقاطنيها، وقد تفاقم هذا الوضع بمراكش جراء الزلزال المدمر ليوم 08 شتنبر والذي عرى حقيقة ما يسمى بالترميم والاعتناء بالثراث والمباني العتيقة. ولم تتمكن الدولة من الاستجابة لمتطلبات السكن للفئات ذات الدخل المحدود والفئات المتوسطة رغم التسهيلات الضريبية والدعم الذي توفره للمنعشين العقاريين.

الحق في البيئة السليمة: تسجل الجمعية التدهور الذي تعرفه البيئة والانتهاكات السافرة للحق في البيئة السليمة ومن ضمنها نهب الثروات الطبيعية عبر اقتلاع المناطق الخضراء واجتثاث ما تبقى من المناطق الغابوية وتفويت جبال وأودية لأصحاب مقالع الرمال أو الحصى واستعمال المتفجرات في صيد الأسماك، وإفراغ النفايات المنزلية والطبية والصناعية للعديد من المدن في محطات عشوائية، والمياه العادمة في الأنهار والبحار بدون معالجة. إضافة إلى الضعف الكبير في البنية التحتية بالمدن والقرى وغيابها في البوادي، والتشويه الذي يطال المدينة المغربية جراء انعدام أي اهتمام بالجانب الجمالي في البنايات والمشاريع التي تقام فيها، وتركها عرضة لنهم مافيا العقار؛ والتدبير السيئ لقطاعي النظافة وجمع النفايات، ولمطارح الأزبال. الأمر الذي شكل تهديدا صريحا للبيئة سواء داخل المجالات الحضرية لهذه المدن أو خارجها.

وبخصوص وضعية الحقوق الثقافية واللغوية، فتسجل الجمعية عدم التزام الدولة المغربية بتطبيق المعاهدات الدولية، ذات الصلة، على أرض الواقع، وغياب رؤية استراتيجية للدولة على المستوى الثقافي، وضعف البنيات التحتية، أو انعدامها في العديد من المناطق وهزالة الميزانية المخصصة للنهوض بالمجال الثقافي، ومحاربتها للثقافة الجادة والتضييق على حرية الكتابة والإبداع؛ حيث ما زال العديد من الفنانين والمبدعين محاصرين وممنوعين من الإعلام والفضاء العموميين، كما تجري محاصرة بعض الكتاب ومنع كتبهم من التداول أو من العرض في المعارض…

ويمكن تلخيص واقع الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية من خلال الوقوف على أهم مظاهر المس الذي يطالها: ومنها شكلية وارتجالية تدريس اللغة الأمازيغية ؛ تغييب اللغة الأمازيغية في برامج محو الأمية؛ شبه الحظر المضروب على الأسماء الأمازيغية؛ فلكلورية التعاطي مع اللغة الأمازيغية في الحياة العامة، مما جعلها ضحية لكل أشكال التمييز والتشويه والتحقير في مؤسسات الدولة سواء القضائية أو الاستشفائية أو الإعلامية؛ الإحساس بالاغتراب والاستلاب الثقافي لدى الطفل المغربي الأمازيغي؛ ضعف الاهتمام باللغة الأمازيغية في الإعلام، وتنكر قنوات القطب العمومي لها لغة وثقافة؛ غياب الإرادة وضعف الإجراءات الملموسة والجدية لدى الدولة لتثمين الموروث الثقافي الأمازيغي والحفاظ عليه؛ والتبخيس والفلكلرة اللذان يمسان الفن الأمازيغي. وبهذا الخصوص تسجل الجمعية ما يلي:

– أن القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وكيفيات إدماجها في التعليم وفي الحياة العامة ذات الأولوية وبالمجلس الوطني للغات لا يتلاءمان مع المرجعية الأممية ذات الصلة؛

– التمييز الذي تعانيه القناة الأمازيغية مقارنة مع القنوات الأخرى، وعدم تعميم تدريس الأمازيغية بكل المؤسسات، وجعلها غير إجبارية، والارتجال في سياسة الدولة المتعلقة بإدماج اللغة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة.

وختاما، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تحيي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، فإنها توجه مجددا تحية عالية لكل الإرادات والقوى المناضلة داخل مختلف الجبهات الاجتماعية وضد التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ وتضامنها مع جميع ضحايا القمع ومع عائلات الشهداء، مؤكدة تشبثها التام بمطلب الحقيقة والمساءلة لكل المتورطين في الجرائم التي أدت إلى استشهادهم، وتوجه تحية خاصة للمعتقلين السياسيين، وللصحفيين المعتقلين بسبب عملهم الإعلامي، وللمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، مطالبة بإطلاق سراحهم وإسقاط المتابعات والتهم المفبركة لهم، وجبر الأضرار الناتجة عن اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب.

وانطلاقا من قناعتها المبدئية بأهمية العمل المشترك، تعبر الجمعية عن تشبثها بشعار مؤتمرها الأخير”معا لحماية الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية”؛ الذي يعكس استعدادها للعمل الوحدوي مع كافة القوى المناضلة حتى إقرار المجتمع الديمقراطي المنشود.