آخر الأخبار

تحزئة تسلطانت هل هي اراضي فلاحية ؟ ام مشروع عقاري مرخص ؟

طرح الزميل مراد بورجى في تدوينة على الجدار الازرق سؤالا حول عقد البيع المسرّب هل يطيح بفاطمة الزهراء المنصوري من على رأس وزارة التعمير ؟ وهو لا يدري ان المشروع المذكور لم يتم بيعه اراضي فلاحية بل مشروع عقاري مرخص !!

في مشهد يعيد طرح سؤال النزاهة في تدبير الشأن العمومي، تفجّرت مؤخراً فضيحة من العيار الثقيل، بطلتها فاطمة الزهراء المنصوري، العمدة ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير، بعد تسريب عقد بيع عقار ضخم بمبلغ خيالي يتجاوز 266 مليون درهم، يحمل في تفاصيله شبهات واضحة لتضارب المصالح واستغلال النفوذ، وتدليس قانوني ممنهج.

مشروع بُني قبل البيع لا بعده…

عكس ما جاء في عقد البيع الموثق بتاريخ 2 أكتوبر 2023، والذي صُنّف فيه العقار كأرض “فلاحية”، تظهر المعطيات الميدانية أن الصفقة لم تتم على أرض فلاحية كما تم الترويج لها، بل على مشروع عقاري جاهز حصل على الترخيص مسبقًا، وذلك باسم سعد المنصوري، شقيق الوزيرة.

الفرق بين أرض فلاحية ومشروع مرخّص يُحدث فرقًا مهولاً في القيمة السوقية. وعليه، فإن السعر المُدرج في العقد ـــ أكثر من 266 مليون درهم ـــ لا يعكس بيع أرض فلاحية مجهولة المصير، بل تفويت مشروع عقاري مضمون العائدات، وهو ما يكشف مغالطة جوهرية قد ترقى إلى مستوى التدليس أو الإخفاء العمدي لطبيعة العقار المبيع.

من يملك سلطة الترخيص؟ من يملك المشروع؟ من يُحاسَب؟

الأكثر خطورة في هذه القضية أن فاطمة الزهراء المنصوري، وإن لم تكن رئيسة جماعة تسلطانت التي يقع ضمن نفوذها العقار موضوع البيع، فإنها كانت رئيسة جماعة مراكش ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير، وهي بذلك تجمع بين صفتين أساسيتين تضعانها في قلب القرار التعميري على الصعيدين المحلي والوطني.

وبهذه الصفة الوزارية، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن المنصوري كانت وراء إعفاء المدير الأسبق للوكالة الحضرية لمراكش، الذي سبق أن رفض التأشير على مشروع تقسيم العقار ذاته أسابيع فقط قبل تعيينها وزيرة. وبعد توليها الحقيبة الوزارية، تم إعفاء هذا المدير من منصبه، ليتم لاحقًا تعيين السيد محمد حنزاز في دجنبر 2023، والذي لم يُعمّر طويلاً بدوره، حيث تم إعفاؤه بعد ثلاثة أشهر فقط، في خطوة تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التغييرات المتسارعة تهدف إلى تهيئة مناخ مؤسساتي مرن لتمرير الترخيص المطلوب .

طريق خارج الوعاء العقاري… تمرّ بترخيص سياسي!

ولعلّ ما يزيد من تعقيد الصورة، هو ما جرى بخصوص الطريق الوحيدة المؤدية للمشروع. فوفق ما استُقي من مصادر محلية، تم منح رخصة استثنائية للمنعش العقاري لإنشاء هذه الطريق رغم أنها لا تقع ضمن وعائه العقاري. الأخطر أن هذا الترخيص تم تمريره بسرعة قياسية داخل دورة المجلس الجماعي لتسلطانت، دون مناقشة حقيقية أو تحفظات.

والسبب؟ أن رئاسة جماعة تسلطانت آلت لحزب الوزيرة، الأصالة والمعاصرة، رغم أن الأغلبية العددية داخل المجلس تعود لحزب الاستقلال. اليوم فقط نفهم لماذا أصرّ “البام” على انتزاع هذه الرئاسة: لتُستعمل الجماعة كأداة تمرير ميدانية لضمان تسهيلات غير اعتيادية للمشاريع العقارية المرتبطة بالعائلة السياسية للوزيرة.

فقرة “الإبراء” تفضح نية التحصين القانوني

في التفصيل التقني للعقد، برزت فقرة استثنائية وغير مألوفة في العقود المماثلة، عُنونت بـ”قابلية البناء – إبراء”، صرّح فيها المشترون أنهم على علم بأن الأرض غير صالحة للبناء، ويُبرّئون الموثقة “إبراء تاماً ونهائياً”. هذه الصيغة الغريبة تُفهم كنوع من التحصين القانوني الاستباقي، لإغلاق أي منافذ محتملة للطعن مستقبلاً.

لكن الواقع يكذّب الوثيقة: الأرض كانت قد تحوّلت إلى مشروع مرخص، والمشترون لم يشتروا “أرضاً مجهولة المصير”، بل مشروعاً استُكملت أشغاله القانونية تحت إشراف العائلة المالكة له، التي هي نفسها تُشرف على مؤسسات التعمير.

تضارب المصالح… وتجارة “العالم بالأسرار”

الشق الأخطر في الملف لا يتعلق فقط بتلاعب قانوني أو تضخيم في القيمة، بل يدخل في خانة ما يُعرف بـ “تداول المعلومات الداخلية” أو “délit d’initié”، أي استغلال المعرفة المسبقة بمصير الأرض وتصنيفها، لتحقيق مكاسب خاصة. فالمعلومة التي رفضها موظف قانوني قبل الانتخابات، تم استعمالها لاحقاً من طرف “صاحبة القرار” نفسها بعد الانتخابات.

من المسؤول؟ ومن سيُحاسب؟

إن محاولة تبرير الصفقة بالقول إن “الأرض خاصة”، وإن “أشقاء الوزيرة” هم من دبروا البيع، لا تصمد أمام منطق القانون والمصلحة العامة، لأن الوزيرة كانت في موقع يمكّنها من التأثير المباشر على المسار التعميري، سواء عبر الجماعة أو الوزارة أو الوكالة الحضرية.

كما أن الطريق المعبّدة سياسياً لمشروعها تُظهر أن المشكلة لم تكن في العقار فقط، بل في البنية السياسية التي تمكّن فاعلاً عمومياً من تطويع المؤسسات خدمة لمصالحه.

الخلاصة: نموذج صارخ لزواج السلطة بالثروة

قضية “البيعة والشرية” هذه ليست مجرد صفقة عقارية، بل مرآة لحالة أعمق من زواج غير شرعي بين السلطة والثروة، تُبرم فيها الصفقات خلف ستار المؤسسات، ويُستخدم فيها النفوذ السياسي لتمرير مصالح خاصة، في تناقض صارخ مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

فهل يتدخل القضاء؟ وهل يجرؤ البرلمان على المساءلة؟ أم أن من يعرف كيف تُرسم خطوط التصميم التهيئي، يعرف أيضاً كيف يُعدّلها “على المقاس”؟

الأسئلة كثيرة … والوثائق تتسرّب …

يتبع ….