أشرف كريم قسي لحلو، والي جهة مراكش على رأس وفد معتبر من مختلف الأقسام والمصالح المعنية للإشراف على هدم منزل بسور مراكش، بجنان سيدي بلعباس، من الجهة المحادية لمقر الولاية، العملية التي تم الترويج لها عبر بعض المواقع الالكترونية التي استدعي اصحابها لمواكبة مجريات الهدم.
الزخم الذي تميزت به مجريات هذا الإجراء من خلال حجم ونوعية الشخصيات التي أشرفت بشكل مباشر على عملية العدم وعلى رأسها المسؤول الاول بالجهة ، أبانت في بعض تفاصيلها على ان العملية برمتها تروم لفت الانظار عن حجم التعديات على هذه المعلمة التاريخية، والتي باتت بحكم اتساع رقعتها وتعدد مظاهرها ، جزاء من الأسوار التاريخية وبالتالي صعوبة التخلص منها بجرة جرافة او معول هدم.
حقيقة ادخلت عملية الهدم المذكورة مجرد محاولة للتغطية عن حجم الاختلال والتعديات التي اصبحت في حكم القاعدة وليس الاستثناء، وهو ما يؤكده واقع الحال بنفس الجزء من السور الذي شهد عملية الهدم، والدي طالته التشوهات من كل جانب وتعالت منه أبنية عشوائية تطل باستفزاز، دون ان يمسسها اَي سوء او تطالها جرافات هدم والي الجهة والشخصيات المرافقة.
ففي ظل سياسة تلميع الواجهة المعتمدة في تهييء المجال بمراكش، تبرز جملة من المشاهد السريالية والصادمة التي تعري عن واقع الحال، وتكشف عن عورة الإختلالات والتجاوزات التي ما انفكت تنخر مجمل الإرث الحضاري والثقافي لهذه المدينة المصنفة في دائرة الثرات العالمي.
بشاعة المشهد تبرز بشكل فاضح على مستوى الإنتهاكات التي طالت وتطال أجزاء معتبرة من الأسوار التاريخية، وتعرضها لسرقات مستفزة دون رادع أو وازع، حيث امتد حبل التطاولات المذكورة للأجزاء المقابلة لمبنى ولاية الجهة.
بعض المتورطين لم يتورعوا عن هدم أجزاء من السور وبناء ركام من الجدران الإسمنية على أنقاضها كجزء من بيوتات ومساكن، مع تمرير قنوات الصرف الصحي لأطرافها الخارجية،ما يشكل خطرا داهما على كامل الأجزاء الممتدة ويهددها بتسربات تنخر أساساتها وترشقها بأسباب الإنهيارات المستقبيلة.
وحتى تمتد مساحة العبث، فقد بادر بعض أصحاب المشاريع الإقتصداية إلى التطاول على أبراج بكاملها وضمها لمشاريعهم الخاصة، كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسة سياحية شهيرة تنتصب مباشرة أمام الباب الرئيسي لمبنى ولاية الجهة.
سرقات بالجملة يشارك فيها الفقير والثري يمتدون بأطماعهم إلى هذا الإرث الحضاري، وينتهكون حرمته عبر بناء نوافذ وجدران وضمها لأملاكهم الخاصة،فيما الجهات المسؤولةطلت طيلة سنوات ، تتابع الوضع من موقع المتفرج دون أن تحرك ساكنا، وكأنها بذلك تزكي هذه السرقات وتمنحها صكوك الغفران وشواهد الموافقة.
ما تتعرض له أسوار المدينة التاريخية،من تشويه وإهمال وسرقات ، يكشف عنه ما يتعرض له من تطاول البناء العشوائي،الذي انغرس كخنجر مسموم في ثنايا اجزائها ،فأصبحت تطل منها شبابيك وأبواب عشواية تشوه كل معالمها، وباتت الجدران الإسمنتية تتجاوز الأسوار بعلوها ضدا على كل القوانين المنظمة للمجال ،ليبقى بذلك كشوكة دامية في خصر هذه المعلمة،ولأن الجهات المسؤولة،وفي إطار سياسة تلميع الواجهة،قد صبت كل اهتمامها على جوةانب السور المتواجدة بالمنطقة السياحية،فإن الأجزاء المتواجدة في المناطق الفقيرة،تدفع ثمن فانورة هذه السياسات،حيث أن حتى مشاريع الترميم،تعتمد مقاولات غير متخصصة،وتتم بطرق اعتباطية،ومن تمة اعتماد مواد غريبة على الأسوار في عملية الترميم،ما يؤدي الى تشويه إضافي لمعالمها،علما بأن هذه الأسوار قد بنيت باقتراح من القاضي ابن رشد الحفيد،فبنيت بطريقة تالواحت أو ما يسمى ب”تابيا”،ليبقى الإسمنت المسلح ومواد البناء الحديثة ،أجسام غريبة على مكونات هذه الأسوار.
اخطبوط هذا النوع من السرقات امتدت اذرعه لتطال العديد من المعالم العمرانية الأصيلة المصنفة في دائرة التراث المعماري للمدينة،حيث تتميز المدينة العتيقة لمراكش باحتضانها لمجموعة من المعالم العمرانية الأصيلة التي يعود بعضها لمرحلة التاسيس،و يرتبط التنظيم السكني الخاص بمجمل الظروف التاريخية التي تعاقبت على المدينة ،فجاءت في شكل وحدات سكنية،تسمى ب”الحومات”بما يرمز اليه الاسم من معاني الحماية والإحتماء،وبالتالي تستقل كل حومة بمرافقها الخاصة،من حمام ومسجد وسقاية ومسيد،وكذا سويقة صغيرة،يحيط بها سور طيني لحماية الوحدة السكنية ومنح ساكنيها شروط الأمن
والإستقرار ما يفسر تواتر أسماء ” السور الصغير والسور الدخلاني” بالعديد من الأحياء.
وبالنظر لكل هذه الخصوصية ،فإن مراكش ظلت تحتفظ بالعديد من المعالم العمرانية الاصيلة،عبارة عن سقايات آية في البناء والرونق،حيث يبرز في هذا الإطار سقاية ” شرب وشوف ” بحي أسول التي تطوعت إحدى المواطنات السويسريات لإنقاذها وتمويل مشروع ترميمها،بعد سنوات من الإهمال التي كادت تقضي على مجمل معالمها ،ما حفظ للسقاية التارخية بعضا من خصائصها التي لازالت تشكل مركز جذب لوفود السياح والزوار،فيما تعرضت أغلب سقايات المدينة الاخرى إلى الإندثار،وفي أحسن الاحوال لطمس هويتها،بعد أن عمدت الجهات المسؤولة محليا،إلى بناء جدارات عشوائية،تخفي معالم بعض هذه السقايات داخل جدرانها المظلمة،قبل ان يعمد البعض وفي اطار تواطؤات فجة إلى استغلال الوضع،ولهف هذه البنايات التاريخية،عبير إضافتها لمنازلهم،كما حدث بحي بن صالح،الذي لا زالت اقواس سقاية الحي بارزة فوق الجدران،بعد ان تم محوها بجرة قلم،وأضيفت بطريقة مجحفة لأحد المنازل.
ولان معالم المدينة العمرانية في الهم سواء،فقد امتد التطاول والتشويه ليطال معالم بعض المراحيض العمومية،التي ظلت تشكل جزءا من ذاكرة مراكش الحضارية،على اعتبار أن هذه المرافيق ليست مجرد بنايات لقضاء الحاجة الطبيعية،بل هي جزء من إرث معماري حضاري أصيل،كما هن الشان مثلا بالنسبة لسقاية البوعديين المجاورة لمسجد بن يوسف التاريخي،والتي تطلب الكشف عنها سنوات الخمسينيات من القرن الماضي ازالة قيصارية بكاملها،قصد اظهار السقاية واخراجها من العدم الى الوجود،لتبقى بذلك احد أهم المواقع السياحية بالمدينة،غير أن حظ باقي مراحيض المدينة،كان على غير الحال،بعد أن امتدت إليها يد العبث،وأجهزت على جلها،عبر طمسها بواسطة جدران إسمنية ،فيما بعضها الآخر لا زال يعيش حالة احتضار،كمرحاض سيدي بن سليمان الجزولي،الذي تكالبت عليه الأطماع فتم تفويته لإحدى الجمعيات في إطار محسوبية وزبونية،لم تاخذ بعين الإعتبار قيمة هذا الصرح المعماري،قبل أن يتدخل حفذة الولي الصالح،ويمنعون استمرارية التطاول،بمبرر ان المرحاض تابع لضريح سيدي بن سليمان الجزولي، ويترك بعدها نهبا لانهيارات والتصدعات ويتحول الى مبنى مهجور.
غير ان يد العبث،لم تفوت الفرصة،فجندت بعض العمال في جنح الظلام للإستيلاء على جزء من السقف الخشبي للمرحاض،الذي تم تفكيكه ونقله لجهة مجهولة،لتبقى البناية، مجرد خراب ينعق فيه البوم والغراب،مع ما تشكله من خطورة على باقي المباني المجاورة ،التي أصبح يتهددها الإنهيار من كل جانب.