تحت قبة البرلمان… سقط الخطاب قبل أن تسقط العمارات عندما يكشف جواب كاتب الدولة عمق أزمة الكفاءة
ليست فاجعة انهيار عمارتين بمدينة فاس مجرد حادث عرضي في سجل كوارث التعمير، بل هي مرآة عاكسة لاختلالات عميقة في منظومة يُفترض أن تحمي أرواح المغاربة لا أن تراكم النعوش. لكن ما فاقم هول المأساة هذه المرة، ليس فقط سقوط الإسمنت، بل سقوط الخطاب الرسمي داخل قبة البرلمان.
ففي لحظة يفترض فيها أن يكون الكلام محسوبًا، دقيقًا، ومسؤولًا، ارتكب كاتب الدولة المكلف بالإسكان خطأً لا يقع فيه حتى مبتدئ في شعبة التعمير، حين صرّح بأن الضحايا حصلوا على رخص البناء من الوكالة الحضرية. تصريح صادم، لا لكونه غير دقيق فقط، بل لأنه يكشف جهلًا بأبجديات الاختصاصات القانونية في قطاع يشرف عليه صاحب التصريح نفسه.
جهل لا يُغتفر في قطاع لا يرحم
الوكالة الحضرية، كما يعلم كل مهني بسيط في الميدان، لا تمنح رخص البناء. دورها تقني استشاري ملزم داخل لجنة دراسة الملفات، أما قرار الترخيص فيعود حصريًا إلى رؤساء المجالس الجماعية. هذه حقيقة قانونية لا خلاف حولها، ولا تقبل التأويل أو الاجتهاد.
وعندما يخطئ كاتب دولة في هذا المستوى من البديهيات، فإننا لسنا أمام زلة لسان، بل أمام مشكلة كفاءة حقيقية. فكيف نطلب من مسؤول لا يميّز بين الجهة المانحة للرخص والجهة المُبدية للرأي، أن يشرح للبرلمان أسباب موت مواطنين تحت الأنقاض؟
إنه خطأ لا يُغتفر، لأن ثمنه ليس سياسيًا فقط، بل إنساني بالدرجة الأولى.
حزب بلا كفاءات… أم كفاءات بلا وزن؟
هذه السقطة الثقيلة تعيد طرح السؤال المؤلم داخل حزب الأصالة والمعاصرة : أين اختفت الكفاءات؟
كيف لحزب يتصدر المشهد الحكومي، ويتحمل مسؤولية قطاعات سيادية، أن يدفع بوجه إلى كتابة الدولة في قطاع معقد كالإسكان ، دون حد أدنى من الإلمام بالقانون والمساطر؟
هل أصبح معيار التعيين هو القرب السياسي بدل الكفاءة التقنية؟
وهل تحوّلت كتابة الدولة إلى منصب لتجريب الأسماء في قطاع لا يحتمل التجريب؟
بعد بحث مضني على الانترنيت لم نجد شيئا عن المسار الأكاديمي و المهني للسيد كاتب الدولة .
إن ما وقع تحت قبة البرلمان ليس معزولًا، بل عرضٌ لمرض سياسي أعمق: الاستسهال في التعيين والاستخفاف بذكاء المغاربة.
الوزيرة الغائبة… والمسؤولية الهاربة
وفي خضم هذا المشهد المرتبك، يبرز سؤال أكثر إلحاحًا : أين فاطمة الزهراء المنصوري؟
أين الوزيرة الوصية، والمسؤولة السياسية الأولى عن قطاع يعرف فواجع متكررة من فاس إلى آسفي ؟
لماذا غابت عن البرلمان في لحظة مساءلة تاريخية ؟
ولماذا أُرسل كاتب الدولة ليواجه أسئلة أكبر من حجمه السياسي والتقني ؟
الغياب هنا لا يمكن تبريره بالانشغال، بل يُقرأ كـتهرّب سياسي من مواجهة البرلمان والرأي العام، وكتفويض مرتبك انتهى بكارثة تواصلية زادت من غضب الشارع بدل تهدئته.
عندما يصبح الصمت مشاركة في الجريمة السياسية
في الدول التي تحترم نفسها، تؤدي أخطاء أقل من هذه إلى:
• اعتذار رسمي،
• أو استقالة سياسية،
• أو على الأقل محاسبة علنية.
أما عندنا، فيُطلب من المواطن أن يبتلع الصدمة، وأن يصدق أن من لا يعرف من يمنح رخص البناء، هو نفسه من سيُصلح منظومة التعمير.
فليُقلها المسؤولون بوضوح :
أزمة التعمير ليست فقط أزمة قوانين، بل أزمة رجال دولة.
وإلى أن يُعاد الاعتبار للكفاءة، وللمسؤولية، وللحضور السياسي الحقيقي في لحظات الأزمات، ستظل العمارات تسقط…
وسيسقط معها ما تبقى من ثقة المواطنين.
