يقول الدكتور احمد الشهبوني تقديم كتابه ” تجارب ومواقف مقالات في الثقافة و السياسة و المجتمع. الحياة ” لماذا هذا الكتاب ؟
لقد شاءت الظروف خلال رحلة حياتي أن أعانق طموحات وهموم الشباب المغربي في بداية السبعينات وأنا تلميذ فانخرطت في الحركة اليسارية “الراديكالية” وتشبعت بالأفكار الاشتراكية وانتقلت إلى الفعل الميداني ضد الحكم القائم أنذاك ولولا ذهابي إلى فرنسا لمتابعة دراستي الجامعية للقيت نفس مصير رفاقي الذين انخرطت معهم في النضال؛ واشتغلت معهم في الخلايا السرية؛ أي السجن في فرنسا انخرطت في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان ممنوعا في المغرب وربطت الاتصال مباشرة برفاقي في منظمة 23 مارس. وكانت الحياة الطلابية جد غنية تعرفنا فيها على الحركة الشبابية في الوطن العربي وأفريقيا والعديد من بلدان المعمور. هكذا تشبعت بالقيم الكونية وتحررت من النظرة الشوفينية وصرت ابنا للإنسانية بعيدا عن أي تعصب عرقي أو ديني. في تجربتي النضالية الطلابية لا حظت عن كتب أن نخبنا رغم استعدادها للتضحية من أجل بلدها المغرب فهي ليست متشبعة بشكل كاف بمبادئ الديمقراطية. عند عودتي لبلدي والتحاقي كأستاذ بالجامعة المغربية انخرطت في نقابة التعليم العالي وتحملت مسؤولية الكاتب العام المحلي بالكلية واكتشفت عن قرب أن جل نضالات الأساتذة والطلبة كانت دوافعها سياسية سجينة الصراع بين القصر والمعارضة، وأعتقد الآن أن هذا الصراع أضر بالجامعة وبالنقابة. وقد تابعت مسيرتي النضالية في إطار منظمة العمل الديمقراطي الشعبي كمسؤول محلي وعضو في لجنتها المركزية.
ثم هاجرت إلى كندا واكتشفت نظاما تعليميا مختلفا عما تلقنته في فرنسا وما يلقن في المغرب، نظام مركزه هو الطالب يركز على تنمية روح المبادرة والاستقلالية لدى الطالب، تعليم أهدافه دقيقة والدروس الملقنة هي وسيلة بلوغ الأهداف. بعد رجوعي للمغرب تابعت مسيرتي النضالية الحزبية في إطار منظمة العمل ثم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لينتهي المطاف في الاتحاد الاشتراكي. بعد هذه التجربة الحزبية الغنية وجدت نفسي خارج كل هذه المنظومة حيث الأفكار شيء والممارسة الفعلية شيء ثاني؛فمثلا الجميع يتغنى باللا مركزية وكلهم متشبثين بالمركز والفروع والحصيلة أن الدولة رغم كل الإخفاقات في المجال الجهوي تبقى متقدمة على جميع الأحزاب والنقابات حيث أرست مؤسسات جهوية وأعطتها الإمكانيات المادية والدستورية لممارسة بعض المهام ولولا فساد أغلبية المسؤولين الجهويين لتقدم المغرب كثيرا في مجال العمل الجهوي. بعد هذه التجربة الحزبية قررت الابتعاد نهائيا عن العمل السياسي الحزبي وأسست مع مجموعة من الإخوة إطارا مدنيا مستقلا منفتحا وجهويا في إطارنا المدني هذا (مركز التنمية لجهة تانسيفت اشتغلنا بأريحية وصدق وقدمنا خدمات جليلة لجهتنا ومواطنينا في المجال التنموي بجميع جوانبه سواء الاقتصادية أو الثقافية. وقد استمر مركزنا في العطاء لأزيد من 26 سنة ولا زال بريقه مشتعلا ويحظى باحترام الجميع بفضل استقلاليته وشفافيته وانفتاحه على الجميع وكفاءة وإخلاص أطره.
في هذا الكتاب اخترت بعض المحطات الدالة والتي تعكس الجو الطلابي في تولوز بفرنسا أو مونتريال بكندا في أواخر القرن الماضي وكيف كان الطلاب مرتبطين بأوطانهم وبالصراع العالمي. ثم تطرقت لبعض الأحداث التي عاينتها في مغربنا سواء في عهد الحسن الثاني أو محمد السادس والتي تعطي نظرة عن تحولات الوضع السياسي في المغرب ثم أخيرا ألحقت بالكتاب الرسائل المتبادلة مع رفيقي وصديقي الفقيد الأديب المناضل أحمد طليمات لما كنت في مونتريال بكندا. كان هو يطلعني على الأجواء في المغرب وأنا كنت أنقل له ارتساماتي من هناك خلال سنوات 1989، 1990، 1991 أضفت هذه الرسائل للكتاب لأنها تعكس في نظري رؤى الشباب المغربي المناضل في تلك المرحلة وكيف كان يتجاوب مع الأحداث الوطنية، العربية والدولية.