آخر الأخبار

بين طريق الوحدة وطريق تاركة: من معجزة وطنية إلى مهزلة جماعية!

في أواخر خمسينات القرن الماضي، عندما كان المغرب حديث عهد بالاستقلال، لا مصانع ضخمة، لا تكنولوجيا حديثة، لا “واتساب” لتبادل التصاميم، ولا “دراسات تقنية معمقة” تستغرق سنوات… تمكن شباب المغرب، رجال ونساء، بأيديهم العارية وهممهم العالية، من إنجاز طريق الوحدة التي امتدت على مسافة تفوق الثمانين كيلومترا، في ظرف لم يتعدَّ ثلاثة أشهر. نعم، ثلاثة أشهر كانت كافية لربط جبال الأطلس بقلب الوطن، بحجارة بسيطة ومعاول متواضعة، وبدافع وحيد: بناء الوطن.

اليوم ، بعد سبعين سنة من التقدم التكنولوجي والهندسي، وفي عصر الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة و”الدرون” وخرائط غوغل ثلاثية الأبعاد، نجد أن مشروع طريق تاركة، الذي انطلقت أشغاله منذ تسعة أشهر، لا يزال يراوح مكانه، يتحسس طريقه كطفل صغير في زقاق مظلم، يتعثر في حفرة تلو الأخرى، حتى كاد المارة يحفظون وجوه العمال أكثر من أسماء جيرانهم.

المشروع، في البدء، بدا بريئًا: صفقة واحدة، شركة واحدة، ميزانية محترمة تقدر بـ 6 ملايير سنتيم. لكن سرعان ما اكتشف المجلس الجماعي أن المشروع أكبر من مقاساته، فألغى الصفقة وأعادها، وهذه المرة بقانون “ضاعف التكلفة، قسم الكعكة”، حيث تحولت الصفقة الواحدة إلى صفقتين، بميزانية مضاعفة، وشركتين مختلفتين، والنتيجة؟ أشغال متعثرة، تأخير مزمن، وشكاوى لا تنتهي من الساكنة التي لم تعد تعرف من تلعن: الطريق، الشركة، أم المجلس الجماعي!

لكن الطريف في الأمر — بل المهزلة الكبرى — هو تبرير المجلس الجماعي لهذا التأخير الفاضح: “لا نعرف ما هي الشبكات تحت الطريق!”
نعم، المجلس الذي من المفترض أن يكون المخطط والمدبر والحارس لكل شبر في المدينة، لا يعرف ماذا يوجد تحت أقدامه!

وهنا يتساءل المواطن المغلوب على أمره: ما هو عمل جيش المهندسين الذين يقبضون رواتبهم من مال دافع الضرائب؟ هل مهمتهم فقط حضور الاجتماعات والتوقيع على المحاضر، أم أنهم وظفوا فقط ليعرفوا الطريق إلى المقصف الجماعي أكثر من معرفتهم بشبكات الصرف والكهرباء؟

بين طريق الوحدة التي أنجزها شباب حفاة في ثلاثة أشهر، وطريق تاركة التي لم تنته بعد رغم تسعة أشهر من “الخبرة الهندسية”، يبدو أن الفرق الوحيد بين الماضي والحاضر ليس التكنولوجيا، بل شيء اسمه: الضمير.
… ولأن لكل مسرحية بطلها، فلا يمكن أن نختم دون الحديث عن عمدة مراكش، الغائبة الحاضرة، التي يبدو أن مشاغلها خارج أسوار الجماعة أكثر بكثير من انشغالها بهموم المدينة وأزقتها الممزقة تحت وطأة مشاريع متعثرة وصفقات مشبوهة.

فبين سفر هنا وظهور محتشم هناك، غابت العمدة عن مسرح أشغال تاركة، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب ولا بعيد، تاركة المواطنين يتخبطون بين الحفر والغبار وكأنهم في سباق قروي نحو المجهول. فمن المسؤول يا ترى؟ هل نلوم المقاولات الكسولة، أم مجلسًا غارقًا في الأعذار السخيفة، أم عمدة وضعت مصالح المدينة في قاعة الانتظار إلى إشعار آخر  ؟   في زمن طريق الوحدة كان الوطن حاضرا في قلوب من أنجزوا الطريق، أما اليوم فمراكش تئن تحت ثقل الإهمال، وتبحث عن مسؤول حاضر، قبل أن تبحث عن طريق معبد.