آخر الأخبار

بين الصحافة والفضيحة.. حين يتحول الإعلام إلى مقصلة اجتماعية

لم تعد بعض المنابر الإعلامية في المغرب تبحث عن الخبر، بقدر ما تبحث عن “الفرجة”. لم يعد القلم وسيلة للتنوير ولا الكاميرا أداة للتوثيق، بل صار الاثنان معا سيفا مسلطا على رقاب المواطنين، يقلب حياتهم في ليلة وضحاها من عادية إلى مأساوية، ومن أسماء خاصة إلى عناوين عريضة في سوق الفضائح.

تُصنع القصص من لا شيء، وتُرسم التهم بخطوط عريضة، بينما القانون واضح، والوقائع غائبة، لكن الضحية دائماً حاضرة. يكفي أن يكون لك وجه معروف أو اسم بدأ يلمع، حتى تتحول حياتك إلى مادة دسمة للابتزاز، وتصبح سيرتك وقودا لحرب “الطوندونس” وعدّاد المشاهدات.

وهنا لا يمكن أن نغفل “القناة الأشهر” في التشهير، تلك التي نصّب صاحبها نفسه وصيّا على الإعلام، يتغنى ليل نهار بالمهنية وكأنها ماركة مسجلة باسمه، بينما بينه وبين المهنية مسافة أطول من المسافة بين الخير والإحسان. قناة لا تجد ما تفاخر به سوى أرقام المشاهدات “المليارية”، وكأنها موقع إباحي يتباهى بعدد النقرات، لا منبر إعلامي يُفترض فيه أن يكون مدرسة للنقد والتنوير. الأخطر أن هذه القناة تحولت إلى نموذج يُحتذى به، فانساقت وراءها بعض الجرائد التي تركت القلم وركضت بدورها خلف التفاهة والتشهير، عسى أن تجد موطئ قدم بين المستفيدين من سوق الفضائح.

إنها “صحافة التشهير”، التي لم تعد تكترث لا بأخلاقيات المهنة ولا بمواثيقها الدولية. صحافة لا تناقش الفقر، البطالة، التعليم المنهار، ولا تضع أصابعها على جرح الهشاشة الاجتماعية، بل تجد متعتها في تتبع “الفضائح” وتصوير الأجساد واقتحام الحياة الخاصة. كأن كل قضايا الوطن لم تعد صالحة للنشر إلا إذا مرّت عبر غرف النوم أو تعليقات الفايسبوك.

ولأن المأساة لا تكتمل إلا بالتطبيع معها، تُعاد القصة نفسها مراراً: أسماء تُقذف في مستنقع الشبهات، وجمهور يتسلى بالفرجة، وضحايا يختفون في صمت، تاركين خلفهم ندوبا لا يمحوها الزمن. هكذا يتحول الإعلام من وسيلة لبناء مجتمع واعٍ، إلى مقصلة اجتماعية تهدم الأفراد وتشوّه صورة الوطن.

المفارقة أن كل هذا يجري باسم “الحرية”. حرية التعبير؟ لا. إنها حرية التلاعب بالسمعة، والمتاجرة في الأعراض، وتقديم “التفاهة” في ثوب خبر عاجل. حرية لم يعرفها حتى رواد “الباباراتزي” في بلدان نشأ فيها هذا النوع من الصحافة، قبل أن تلفظه الرقمنة ويرفضه الجمهور.

لكن وسط هذا الركام، يظل المجتمع المغربي قادرا على فرز الحقيقي من المزيف. موجات التضامن الشعبي، التي تتكرر كلما استُهدف أحد الأبرياء، دليل على أن هذا الأداء الإعلامي لا يمثل المغاربة. وأن المستقبل يُصنع بأفكار ومشاريع وابتكارات، لا بملاحقة مؤخرات الناس وعدّ مشاهدات “اليوتوب”.

وفي الختام: إلى صاحب القناة الأشهر ومن حذا حذوه، أنتم لا تمثلون الصحافة ولا الإعلام ولا حتى “الطوندونس”، أنتم مجرد نسخة رديئة من مواقع البورنو، بملابس أنيقة وكلمات منمقة. أنتم منابر تبيع الوهم وتوزع العار، ثم تتغنى بالمهنية كما يتغنى الثعلب بتلاوة سورة “المروءة”. والأدهى أنكم تظنون أنفسكم حراس القيم، بينما أنتم لا تحرسون سوى أبواب الخزائن التي تنتفخ من نقود الأدسنس.