افاد بيان الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، ان اختلالات التدبير وغياب المحاسبة لم تعد مجرد عناوين عامة، بل تحولت إلى أسباب مباشرة لمآس إنسانية، كشفت عنها فاجعة آسفي بكل وضوح.
تتابع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، باستنكار بالغ وحزن عميق، ما شهدته مدينة آسفي، يوم 14 دجنبر 2025، من فيضانات كارثية غير مسبوقة، خلفت عشرات الضحايا من شهداء ومصابين بجروح بليغة، في ظل تعتيم رسمي وإعلامي واضح، وتلكؤ في الكشف عن المعطيات الدقيقة حول عدد الشهداء والمصابين والخسائر المادية.
دقائق قليلة كانت كافية لإغراق أحياء بكاملها وتحويل شوارع المدينة إلى سيول جارفة، انهارت معها منازل ومحلات صغيرة، وسجلت مأساة عائلة قضت بالكامل تحت المياه، فيما حاول شباب المدينة والناجون التدخل بوسائلهم الذاتية لإنقاذ الغرقى، في غياب شبه تام للأجهزة المختصة بالإنقاذ والإسعاف والنقص الحاد في المعدات والوسائل، وهو ما ضاعف من حجم الخسائر البشرية والمادية.
هذه الفاجعة لم تكن حدثا طبيعيا صرفا، بل نتيجة مباشرة لخلل تدبيري بنيوي سبق التحذير منه في تقارير رسمية، من بينها تقرير تقني مؤرخ في 5 يناير 2022 أنجزته الجماعة الحضرية لآسفي بشراكة مع وزارة إعداد التراب الوطني، حدد بدقة المناطق المهددة بالخطر واقترح حلولا تقنية لم ينفذ منها شيء. كما تتقاطع المسؤولية مع التغييرات التي أحدثتها وزارة التجهيز والماء في البنيات المائية ومسارات الجريان السطحي دون تقييم شامل لآثارها، وهو ما ساهم في تحويل السيول نحو مناطق آهلة بالسكان.
وتشير معطيات محلية إلى أن مخلفات المكتب الشريف للفوسفاط، خاصة المرتبطة بوحدات الغبار الأسود والغسيل والتجفيف، ساهمت في خنق مصارف المياه الطبيعية والاصطناعية، مما أدى إلى انسدادها وعجزها عن استيعاب كميات الأمطار. ويضاف إلى ذلك أن مخطط التهيئة الحضرية لمدينة آسفي لم يحين منذ الحقبة الاستعمارية، رغم التحولات العمرانية والبيئية الكبرى، ما جعل البنية الترابية عاجزة عن مواجهة أي ضغط طبيعي استثنائي؛ علاوة على تهالك وتقادم قنوات صرف المياه وغمرها بالنفايات والأتربة يجعل مسؤولية الشركة المخول لها تدبير قطاع النظافة وتلك المخول لها تدبير قطاع الماء والصرف الصحي قائمة.
إن المكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يعتبر أن ما وقع في آسفي يكشف عن فشل بنيوي عميق، تتداخل فيه المسؤوليات السياسية، والمؤسساتية والاقتصادية، ويفضح زيف الخطاب الرسمي حول التنمية والعدالة المجالية؛ كما يدين بالمناسبة ما تعرض له العديد من المواطنين من تضييق، تمثل في سحب هواتفهم منهم لمنعهم من توثيق الخسائر، في محاولة لحجب الحقيقة وسط تعتيم إعلامي ممنهج.
وإذ يعبر عن تضامنه المطلق مع أسر الضحايا من شهداء ومصابين ومع عموم ساكنة آسفي، فإنه يؤكد على ما يلي:
تحميل الدولة، بمؤسساتها المركزية والترابية، المسؤولية الكاملة عن هذه الفاجعة، باعتبارها نتيجة مباشرة لسياسات الإهمال والتهميش والإحصاء والفساد البنيوي؛
فتح تحقيق قضائي نزيه وشفاف، ومحاسبة كل المسؤولين عن الفساد المالي والغش والمضاربات، واسترجاع الأموال المنهوبة؛
محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الجريمة الاجتماعية والسياسية، وعدم الاكتفاء ببلاغات التهوين أو تبريرات “القوة القاهرة”؛
الكشف عن مآل المشاريع المبرمجة لحماية المدينة من الفيضانات، وعلى رأسها مشروع تهيئة واد الشعبة، مع إعلان تفاصيل التنفيذ والتكلفة والتمويل للرأي العام، وتدقيق الحسابات المالية وافتحاص برامج التنمية، ومحاسبة كل طرف أخل بالتزاماته؛
مساءلة وزارة التجهيز والماء عن التغييرات التي أحدثتها في البنيات المائية، والكشف عن الدراسات التقنية التي اعتمدت؛
فتح تحقيق تقني مستقل لتحديد مدى تأثير مخلفات المكتب الشريف للفوسفاط على انسداد المصارف، وكشف مدى احترامه للمعايير البيئية؛
التنديد بالغياب الفاضح للجنة اليقظة الإقليمية التي لم تفعل رغم النشرات الإنذارية، وهو تقصير جسيم يستوجب المساءلة؛
إدانة التعتيم الإعلامي الممنهج، وتواطؤ بعض المنابر في تبييض الفشل المؤسساتي، والتنبيه إلى أن الحصيلة الحقيقية للخسائر البشرية والمادية ما زالت غامضة؛
توفير الدعم النفسي والمادي العاجل لأسر الضحايا، وتعويض المتضررين، وإعادة إسكان من فقدوا مساكنهم وفق مقاربة تحفظ الكرامة الإنسانية؛
المراجعة الشاملة للسياسات الحضرية، وإعادة الاعتبار للوظائف البيئية، وربط أي تدخل عمراني بإلزامية دراسات المخاطر والتكيف المناخي، مع تحيين مخطط التهيئة الحضرية الذي ما زال يستند إلى تصور يعود لفترة الاستعمار؛
إعلان المناطق المتضررة مناطق منكوبة، وتعبئة وسائل الإنقاذ والإسعاف وفق أولوية حماية الأرواح؛
وضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل المنطقة عمرانيا وبنيويا، بعيدا عن منطق المقاولات الريعية والصفقات المغلقة، وإعادة النظر جذريا في برامج التنمية الفاشلة، واعتماد مخطط تنموي يخدم البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، ويقطع مع منطق الربح العقاري الذي يقوض حق المدينة في الأمان؛
الإسراع بتوفير الإمكانيات المالية واللوجستيكية لإيواء المنكوبين وتعويضهم عن كل الخسائر، مع ضمان الشفافية في التوزيع.
إن ما وقع في آسفي ليس حدثا عابرا، بل نتيجة تراكمات طويلة من الإهمال والإقصاء، ومن التخطيط الذي يفتقر إلى ربط ما يسمى الطفرة الصناعية بالحق في البيئة والتنمية وخدمة الساكنة ومحاربة سوء التدبير والتسيير، ولا يمكن تجاوزه دون كشف الحقيقة كاملة وترتيب المسؤوليات بما يضمن حماية أرواح المواطنات والمواطنين.
