في مدينة فاس، سقطت بناية، وسقط معها تسعة أرواح بريئة، وأُصيب سبعة آخرون بجروح متفاوتة الخطورة. حدث جلل زلزل القلوب، لكنه لم يزلزل الكراسي. مشهد مأساوي تكرّر في بلد ألف أن يعيش مواطنوه بين هشاشة الجدران وهشاشة الوعود، وبين صمت المؤسسات وضجيج المآسي.
والأغرب من الفاجعة، تصريح السيدة وزيرة الإسكان – حسب مصادر صحفية – بأن البناية المنهارة كانت مصنفة ضمن قائمة البنايات المهددة بالانهيار منذ سنة 2018، بل إن خمس الساكنة رفضت الترحيل. تصريح يحمل تناقضًا صارخًا ويكشف عن هشاشة في منطق الدولة قبل البنيان. فمنذ متى كان رفض الساكنة مبررًا كافيًا لتركهم يواجهون مصيرهم القاتل؟ أليست الدولة هي المسؤولة عن فرض التدخل حين يتعلق الأمر بحياة المواطنين؟
يا سبحان الله، بالأمس القريب، رأينا السلطات تقتحم الدواوير وتهدمها بالقوة العمومية، في الرباط وتطوان ومراكش ومدن أخرى. رأينا سكانًا يُرحَّلون رغم أنوفهم، تُجرف بيوتهم وهم يصرخون، أطفال يبكون، وعائلات تُترك في العراء باسم التنظيم ومحاربة السكن العشوائي. فكيف تغيب “القوة العمومية” عندما يتعلق الأمر ببناية آيلة للسقوط منذ سنوات؟ هل تُستخدم القوة فقط ضد الضعفاء؟ أم أن هناك من يُترك لمصيره إذا لم يكن ضمن خرائط الاستثمار العقاري؟
بدل أن نسمع عن فتح تحقيق قضائي صارم، أو مساءلة سياسية حقيقية، لم نسمع سوى تعزية رسمية باردة من السيدة الوزيرة. وكأن الأرواح التسعة التي زهقت لا تستحق سوى كلمات منمقة تُلقى على عجل، قبل أن نعود إلى جدول أعمالنا المعتاد. لو وقع ما وقع في دولة تحترم نفسها، لاهتزت الحكومة كلها، وخرجت القيادات تعتذر أمام الشعب، وتُعلن الاستقالة، لا أن تلوذ بالصمت أو تكتفي بتبرير مهين للعقل والمواطنة.
إن ما وقع في فاس ليس قدرًا، بل نتيجة مباشرة للتهاون، للتناقض، وللفوضى في السياسات العمومية. مأساة فاس فضحت مجددًا كيف يُختزل المواطن المغربي في رقم، وكيف تتحول المعاناة إلى مجرد خبر عابر، لا يُحرّك ضميرًا ولا يُسائل مسؤولاً.
فلتعلم الحكومة أن الحسرة لم تعد تكفي، وأن هذا الوطن لن ينهض ما دام يدفن أبناءه تحت أنقاض الإهمال، ثم يواسيهم بتصريحات جوفاء.