أفاد بلاغ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع المنارة مراكش، أن النقل الحضري و شبه الحضري، يعد واجهة جديدة لإعادة إنتاج نفس النمط الطبقي و الإفلات من المحاسبة
واوضح البلاغ الحقوقي، ان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش، تتابع بقلق بالغ استمرار أزمة النقل الحضري والشبه الحضري بالمدينة، حيث لم يفض انتقال التدبير من شركة “ألزا” الإسبانية إلى شركة “سوبراتور” المغربية إلى أي تغيير جوهري في بنية القطاع، بل أعاد إنتاج نفس المنطق القائم على الاحتكار والربح السريع، في ظل شبكة طرقية متآكلة وأساطيل مهترئة، وغياب رؤية تنموية حقيقية.
وابرز البلاغ أن مشروع مراكش الحاضرة المتجددة شكل واجهة دعائية بلا أثر ملموس، إذ فشل في جميع مجالاته، وفي مقدمتها النقل الحضري: الطرقات مهترئة، الأرصفة مكسرة، الحفر تعيق السير، والحافلات الكهربائية التي التهمت ميزانيات ضخمة تحولت إلى رمز للهدر المالي والعبث. إن هذا الفشل يعكس سياسة ممنهجة تقوم على التسويق الدعائي بدل التخطيط الفعلي، وعلى الإفلات من العقاب بدل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما أن التمديد لشركة “ألزا” لمدة ثماني سنوات إضافية كان عنوانا صارخا لسياسة التواطؤ، حيث استمر الاحتكار رغم الأعطاب اليومية وتردي الخدمة، مما عمق معاناة المواطنات و المواطنين وضرب في العمق الحق في التنقل. وإلى جانب ذلك، تتحمل وزارة الداخلية مسؤولية مباشرة في تعطيل الصفقات والتحكم في القطاع بما يشبه نزع الصلاحية من الجهات المنتخبة، وهو ما يفرغ مبدأ الديمقراطية المحلية من محتواه ويكرس مركزية القرار على حساب مصالح الساكنة.
واضاف البلاغ ذاته، انه اليوم، ومع دخول “سوبراتور”، يتم تقديم أسطول جديد من الحافلات كتجديد في النقل الحضري، لكن الحقيقة أن هذا الأسطول ليس سوى واجهة لتسويق نفس المنطق الطبقي السائد : رفع تسعيرة التذكرة و تحميل الكلفة للطبقات الشعبية، وتجاهل المطالب المتكررة للقوى الحية، وفي مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش، بربط المسؤولية بالمحاسبة وفتح تحقيقات في عقود التدبير السابقة التي شابتها شبهات فساد على جميع الأصعدة، من الصفقات المبرمة إلى عقود المناولة التي تهدر حقوق الشغيلة.
إن غياب خطوط تربط أحياء المسيرات والضحى بالحي الصناعي… يرفع من معاناة العاملات والعمال الذين يواجهون صعوبات يومية في التنقل إلى أماكن عملهم، كما أن غياب خطوط تربط سعادة والسويهلة ودار السلام ودواوير فرنسوا ومولاي اليزيد والفخارة بالمدينة يعيق تنقل تلاميذ خاصة بالسلك التأهيلي، ويحول الحق في التعليم إلى معاناة يومية مرتبطة بغياب وسائل النقل.
وشدد البلاغ على أن الجمعية تعتمد في مرجعياتها على الفصل 31 من الدستور المغربي الذي يلزم الدولة والجماعات الترابية بتعبئة الوسائل لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في التنقل، وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 12) التي تنص على الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية، وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 12) التي تضمن حرية التنقل والوصول إلى الفضاء العمومي دون تمييز، إضافة إلى المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي تلزم الشركات باحترام حقوق الإنسان وعدم تحويل الخدمات الأساسية إلى مجال للاستغلال.
إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش، وهي تستحضر هذه الأوضاع التي طالما شكلت مواضيع بلاغات و تقارير سابقة، تؤكد أن أي إصلاح لا معنى له ما لم يقترن بمساءلة فعلية، وبربط المسؤولية بالمحاسبة، وبإعادة الاعتبار للحق في التنقل كجزء من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بالكرامة والعدالة المجالية والبيئة السليمة.
و عليه فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش تطالب ب:
– الاعتراف بفشل مشروع مراكش الحاضرة المتجددة في جميع مجالاته، وفي مقدمتها النقل الحضري، ومساءلة المسؤولين عن الهدر المالي والعبث بمصالح المواطنات و المواطنين.
– فتح تحقيق شامل في مشروع الحافلات الكهربائية الذي التهم ميزانيات ضخمة دون مردودية، وتحويله إلى خدمة ذات جدوى.
– الكشف عن تفاصيل الدعم والامتيازات المالية الممنوحة للشركات المفوضة، وإخضاعها لافتحاص مالي شفاف وربط المسؤولية بالمحاسبة.
– وقف سياسة الترقيع واعتماد مخطط نقل حضري حديث ومستدام، يربط جميع الأحياء والمناطق الجديدة مثل تامنصورت والويدان والسويهلة وسعادة ودار السلام.. ويستجيب للتحولات العمرانية والديمغرافية.
– معالجة غياب خطوط تربط الأحياء الشعبية بالحي الصناعي، بما يضمن حق العاملات والعمال في التنقل الآمن إلى أماكن عملهم.
– ضمان حقوق ومكتسبات الشغيلة في أي إصلاح، باعتبارها جزءا من العدالة الاجتماعية، وإنهاء عقود المناولة التي تهدر حقوق العاملين، مع تحسين ظروف العمل والرفع من الأجور.
– إشراك القوى الحية و عموم المواطنات و المواطنين في الحق في المعلومة حول عقود التدبير والبرامج المعلنة، باعتبار الشفافية شرطا أساسيا للديمقراطية المحلية.
إن غياب هذه الإصلاحات سيظل يعني أن المواطن المراكشي يؤدي الكلفة يوميا: ثمن تذكرة غالية مقابل خدمة مهترئة، ساعات ضائعة في الانتظار والاكتظاظ، صحة متدهورة بسبب التلوث والانبعاثات، وفرص تعليم وعمل مهدورة بسبب ضعف الربط بين الأحياء والمدينة. إننا نعتبر أن استمرار الوضع الحالي يمثل انهيارا كليا للقطاع، وانتهاكا ممنهجاً للحقوق الأساسية للمواطنين و المواطنات، ونؤكد أن الحق في التنقل ليس امتيازا بل حقا أصيلا، وأن الإفلات من العقاب يجب أن يوضع له حد عبر مساءلة فعلية تربط المسؤولية بالمحاسبة.
