عاد ملف الخروقات التعميرية إلى واجهة النقاش العمومي بمدينة مراكش، بعد تفجّر قضية وُصفت بالخطأ الجسيم، بطلها نائب عمدة المدينة طارق حنيش، والمتعلقة بالترخيص لإقامة عمارة من ثلاثة طوابق داخل تجزئة مخصّصة للفيلات فقط، وفق ما ينص عليه تصميم التهيئة المصادق عليه لمنطقة جليز الشرقي.
الخطورة في هذه القضية لا تكمن فقط في مخالفة ضوابط التعمير الواضحة، بل تتعدّاها إلى خرق صريح للتنطيق المعتمد، إذ إن المنطقة بأكملها مصنفة كمنطقة فيلات، ما يجعل أي ترخيص لبناء عمارة متعددة الطوابق خروجًا سافرًا عن مقتضيات تصميم التهيئة، وضربًا لمبدأ المساواة بين المواطنين واحترام القانون.
وما يزيد من تعقيد الوضع، هو أن نائب العمدة لم يكتفِ بهذا الخرق، بل تجاوز ذلك إلى الترامي على الاختصاص، من خلال الترخيص لمشروع يُصنّف ضمن “المشاريع الصغرى” التي تدخل، قانونًا، في اختصاصات المقاطعات، وليس المجلس الجماعي. وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام مبدأ توزيع الاختصاصات، وحدود التفويض الممنوح لنائب العمدة.
أمام هذه التطورات، بادرت ساكنة الحي المعني إلى توجيه شكاية رسمية إلى والي جهة مراكش ـ آسفي الخطيب الهبيل، مطالِبة بفتح تحقيق معمّق في هذه الخروقات، وترتيب الجزاءات القانونية اللازمة. مصادر متابعة للشأن المحلي أكدت أن الوالي معروف بصرامته في تطبيق القانون، وبنَهجه القائم على الحياد والنزاهة، دون اعتبار للانتماءات الحزبية أو الحسابات السياسية.
ويذهب عدد من المتتبعين إلى أن هذه القضية قد تشكّل اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية السلطات الترابية في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة وأن مراكش تُعدّ معقلاً رئيسيًا للقيادة الجديدة لحزب حزب الأصالة والمعاصرة. غير أن المعني بالأمر، بحسب ذات المصادر، لا يُصنَّف ضمن قيادات الصف الأول داخل الحزب، بل يُنظر إليه كوافد حديث العهد بالانتماء الحزبي خلال الاستحقاقات الأخيرة، ما يضعه في خانة الصفين الثاني أو الثالث تنظيمياً.
هذا المعطى يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة: هل سيتم تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات الترابية، واعتبار ما وقع “خطأً جسيمًا ” يستوجب الشروع في مسطرة العزل؟ أم أن منطق الحماية غير المعلنة، و”الاستثناء” في تطبيق القانون، سيظل حاضرًا في تدبير الشأن المحلي؟
بين مطلب الساكنة، وصرامة القانون، واختبار النزاهة المؤسساتية، تبقى الأيام القادمة كفيلة بالكشف عمّا إذا كانت هذه القضية ستُسجَّل كمنعطف حقيقي في محاربة الخروقات التعميرية بمراكش، أم أنها ستُضاف إلى قائمة الملفات التي أُثير حولها الكثير من الجدل، وانتهت دون محاسبة تُذكر .
