آخر الأخبار

براهمة: تجريم التشكيك في نزاهة الانتخابات تراجع خطير يهدد حرية التعبير

أثار تضمين مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب لمقتضيات تُجرّم “التشكيك في نزاهة الانتخابات” موجة انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية والقانونية، اعتبرها العديد من الفاعلين انتكاسة خطيرة وتهديداً مباشراً لحرية الرأي والتعبير، وفي مقدمتهم سعاد براهمة، المحامية ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

وقالت براهمة في تصريح صحفي إن المشروع “يحوّل النقاش الديمقراطي حول العملية الانتخابية إلى جريمة يعاقب عليها القانون”، معتبرة أن المسودة تمثل تراجعاً واضحاً عن المكتسبات الدستورية والحقوقية التي راكمتها البلاد خلال العقود الأخيرة، وتقوّض حق المواطنين في مساءلة الشأن العام وانتقاد العملية الانتخابية.

وينص المشروع في مادته 51 مكرر على عقوبات تتراوح بين سنتين وخمس سنوات حبسا، وغرامات بين 50 ألفاً و100 ألف درهم، لكل من نشر أو بث أو نقل “إشاعات أو أخباراً زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات”، وهو ما ترى براهمة أنه يفتح الباب أمام تأويلات واسعة قد تُستعمل لتقييد النقاش العمومي.

وأضافت الحقوقية أن الآليات الزجرية القائمة كافية لمعالجة القذف والسب ونشر الأخبار الزائفة أو التشهير، مما يجعل هذا المقتضى “زائداً وغير مبرر، بل موجهاً سياسياً أكثر من كونه ضرورة تشريعية”، محذرة من أن تمريره قد يكرّس رقابة ذاتية، ويدفع الصحافيين والناشطين إلى الصمت خوفاً من المتابعة.

واستندت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مؤكدة أن المادة 19 تضمن حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك نقد المسؤولين والسياسات العامة. كما أشارت إلى أن لجنة حقوق الإنسان الأممية شددت في تعليقها العام رقم 34 على أن التعبير حول القضايا السياسية والانتخابية يمثل “جوهر حرية التعبير”.

أما على المستوى الدستوري، فذكّرت براهمة بأن الفصل 25 من دستور 2011 يكفل حرية الفكر والرأي والتعبير، وأن الفصل 28 يضمن حرية الصحافة ويحظر تقييدها بالرقابة القبلية، معتبرة أن تجريم التعبير عن الرأي في الشأن الانتخابي “يمثل خرقاً واضحاً لهذه المبادئ”.

وأشارت المتحدثة إلى أن الانتخابات ليست مجرد إجراء تقني بل فضاء للنقاش الحر حول الخيارات السياسية والبرامج والمرشحين، مؤكدة أن تجريم النقد أو التشكيك في النزاهة “يُحصّن السلطة من المساءلة، ويصادر حق المواطنين في تقييم العملية الانتخابية”.

وحذرت براهمة من أن هذه المقاربة لن تعزز الثقة في الانتخابات، بل ستزيد من الشكوك حولها، لأن منع النقاش العمومي بشأن النزاهة “لا يعالج الإشكال، بل يخفيه ويعمّقه”.

ودعت براهمة إلى سحب النص أو مراجعته جذرياً بما ينسجم مع الدستور والمواثيق الدولية، وإطلاق نقاش عمومي تشاركي حول ضمان حرية التعبير خلال الفترات الانتخابية، مع تعزيز الشفافية كوسيلة لبناء الثقة بدل اللجوء إلى “تكميم الأفواه”.