آخر الأخبار

اوراق من ساحة المقاومة المغربية لعبد السلام الجبلي

الفصل الثالث تأثير تجربة السجن وتنظيم المقاومة والعمل المسلح سجن تازئاقت منعطف حاسم بدأ الاعتقال من الثالثة صباحا ، واستمر حتى طلوع الفجر ، حيث تم القبض على حوالي ثلاثة وخمسين شخصا من أطر الحركة الوطنية بمراكش ، المعروفين لديهم . أخذونا إلى دار الكلاوي ، فبقينا مدة هناك . بعد ذلك قدمونا إلى المحكمة ، التي أصدرت حكما علينا بثلاث سنوات ، حبسا نافذا ، مع الأشغال الشاقة . وقسمونا إلى ثلاث فرق . الفرقة الكبيرة ضمت نحو أربعة وعشرين فردا . أخذونا إلى سجن ورزازات ، ووجهوا فرقة أخرى صوب سجن دمنات ، والفرقة الثالثة إلى مكان آخر ي إمينتانوت . كنت شخصيا مع فرقة ورزازات ، قضينا هناك مدة ، ثم اختاروا منا عشرة أفراد من العناصر ، التي كان لها تأثير على باقي الأعضاء من حركة مراكش : عبد الله إبراهيم ، عبد القادر حسن ، الحسين الورزازي ، 30 مولاي أحمد المنجرة ، عبد النبي بالعادل ، عمر البيضاوي ، أحمد أحمد الوطني ، عزالدين القادري ، المهدي أخ عبد القادر حسن المعروف بالأعرج . كنت بين هؤلاء السجناء ؛ أخذونا إلى تازناقت بتقارير تحث على التعامل ينتقل السجين من سجن إلى آخر ، مع معلومات إضافية عن كل شخص بصرامة ، مع تشديد الحراسة ، وهي التعليمات التي تعطى عادة عندما هل سيشكل خطرا داخل السجن الذي سيودع فيه ؟. والهدف هواتخاذ معنا : جميع الاحتياطات لتفادي تمرده . استقبلنا الحاكم العسكري في سجن تازناقت ، وكان متعجرفا تا استقبالا كان فيه تهديد و تحذير لنا من مغبة ما قد نفكر فيه من تمرد أو خروج عن نظام السجن ، وأخبرنا أثنا سنذهب صباحا إلى مقلع الأحجار لنشتغل هناك . ونتيجة اندفاع الشباب ، لأننا كنا في مقتبل العمر تغمرنا الحيوية والاندفاع ، قررنا أن نثور على هذا النظام ، ونرفض الاشتغال في مقلع الأحجار . فتقدم عبد الله إبراهيم بمقترح نبهنا من خلاله – إلى أن للعمل . وإذا قمنا بعمل ، فإننا سنكون في الحقيقة ، قد خدمنا وطننا . السجن ضيق ، ولا نستطيع البقاء فيه ، طيلة اليوم ، فمن الأحسن أن نخرج أقنعنا عبد الله إبراهيم بمقترحه ، فقبلناه . وفي الصباح سلموا لنا أدوات الحفر من ” بالات ” ، وفؤوس ، ومطارق نستعملها لقلع الأحجار ، والمقلع شبيه بجبل جليز ، وهو جبل تازناقت .. بدأنا نعمل على تكسير الأحجار الكبيرة ، وشحنها في الشاحنات ، وهي أحجار كانت ثفئت بالمفرقعات ، ثم نستعمل المطارق لتكسيرها . بعد ذلك تقرر أن يزور المقيم العام الفرنسي تازناقت بواسطة طائرة ، ونظرا لعدم وجود مدرج لهبوط المروحية ، كان لزاما علينا أن نعد مساحة تنقيها من الأحجار ، ونسوي أرضها بطمس الحفر ، وكتابة اسم ” مطار تازناقت ” بأحجار تُطلى بالجير لإظهار المكان المخصص لهبوطها . وبعد تهييء المطار ، وكتابة اسمه ، أعطونا أوامر لبناء جدران بعيدا عن مكان هبوط المروحية ، وكتابة اسم المطار لتنبيه المارة والمسافرين . بعد ذلك رجعنا إلى مقلع الأحجار ، ومكثنا فيه مدة ثلاثة أشهر . كانت الظروف قاسية ، ولكنها حميمية من حيث اللقاء ، كانت تنسينا شقوتنا أثناء مناقشتنا لبعض المواضيع . وخلال هذه اللقاءات ناقشنا الظروف ، التي ستمر بها الحركة ، وقد تبين لنا أننا سنصل لا محالة إلى مجابهة الإدارة الفرنسية ، ونظام الحماية ، وأن الصدام لا مفر منه ، تكلمنا عن المقاومة في آسيا ، وفي الشرق العربي ، وفي فرنسا ، وكان عبد الله إبراهيم قد أسهب في هذا الموضوع ، ونظم قصيدة سماها ” نشيد المقاومة ” . أصدقاء صراخ البلاد يشق الفضاء أصدقاء تعالوا تعالوا نلب النداء كيف نطوي الحياة عبودية وشقـاء يظل غـراب الفنـاء يجـوس الفناء أصدقاء صراخ البلاد يشق الفضاء

أصدقاء تعالوا تعالوا نلب النداء أصدقاء ونعم رجال الفدى أصدقاء كم ضحايا أمام الرصاص قضوا أبرياء أصدقاء صراخ البلاد يشق الفضاء أصدقاء تعالوا تعالوا نلب النداء كم إقطاعي صار يحب الردى والبقـاء يتحدى العدالة في غيه والحياء أصدقاء صراخ البلاد يشق الفضـاء أصدقاء تعالوا تعالوا نلب النداء نبئوا المستغلين لسـنـا نهاب لقاء قد دعا الأطلس الحر أبناءه الأوفياء أصدقاء صراخ البلاد يشق الفضاء أصدقاء تعالوا تعالوا نلب النداء وعندما تقرر إطلاق سراحنا ، علم بذلك الأهالي بمراكش ، ففكروا ي تخصيص استقبال كبير لنا على شكل مظاهرة . ولما وصل صدى ذلك إلى الإدارة الفرنسية ألغي إطلاق سراحنا ، واحتفظوا بنا مدة إضافية نقلنا بعدها إلى مشارف مراكش ، من غير أن يعلم أحد بذلك . فاجأنا عائلاتنا بعودتنا فرادى إلى بيوتنا . لم تحتمل المجموعة ، التي قضت ثلاثة أشهر سجن تازناقت ، أن يفترق بعضها عن بعض . ذرفنا دموعا حارة ، برغم معانقتنا للحرية ، لأننا قضينا أياما ، قريب بعضنا من بعض ، ولم تكن لأي منا رغبة في أن نفترق . كان السجن بمثابة مدرسة ناقشنا فيها ، في كل يوم ، موضوعا جديدا ، وتبادلنا فيه محفوظاتنا الشعرية ، وحكينا فيها نوادر ، ونكاتا . بالنسبة إلينا كان الأمر في الحقيقة بمثابة نزهة ، ولم يكن اعتقالا ، برغم الصعوبات ، التي عشناها من جراء التعليمات الصارمة ، والظروف القاسية ، والطقس الحار . لأن الزمن كان صيفا ، والرياح تهب بدءا من الحادية عشرة صباحا ، فتحدث عواصف رملية تؤذينا ، أثناء العمل في المقالع ، وتخترق أجسامنا كالإبر الحادة .