انقلاَبَات وثوَرَات بالدّوّار
أو تَا مَنْ سْحَيّق دَار بْرَيّق !
حسن الرحيبي
خلاَل خَريف سنة 1962 وكنتُ قد انتقلتُ من قسم التّحضيري الابتدَائي إلىٰ قسم الابتدَائي الأوّل ، أو الابتدَادي دَادي حسَب تعبير احمَد الرّونو .. رَغم اهتمَامنا بقنص الطيور فقط بربوع امّودنَان القاحلة الشّاسعة ، وحَول غيرَان الݣرُور المُنتشرة بكل مكان .. وأكوَام ترابها الناعم والمتصَاعد ، بعد تسَاقط أولىٰ أمطار الخريف أو نكّاسَة لݣيَع .. واهتمَام آبائنا برَعي الإبل بسَدر الحَنفُوشي قرب جنان الحاجّ ، وݣلع الباكور والكرمُوص وصناعة الشّريحة فوق سطوح البيُوت وظهور نوَادَر الهَايشر البرُومي خارج الخيمة وأحوَازها ، ورَشّها بحَفنات ملح زيمَة الحمرَاء بفعل غَيس لمزُوغ .. عند انتهَاء عَملية الدّرَاس وتطوَاب التّبن وَتغييسه ، والذّهاب لمُوسم بنيفّو ومُولاي عبسلام الغُوّاص للتفرج على عَلفات الخيل وحَائط المَوت لعبد الحقّ وَعلي بللّحُوسين ..أخذ الأطفال يتحدّثون عَن تغيير المُعلم الشّريف القادم من سيدي بنّور الذي كنا نتبعه كالصّيصَان منذ خرُوجه من دَار القايد بُوعلي حتى يصل مَدرسة اختي الزّاهية التّبّاخة ، وبَلّلحسَن البَيّاض .. وسَط الفيلاج ..بقامته القصيرة وجسمه الموسوم بالتّربيع والتّدوير كما بهجاء الجاحظ لغريمه محمّد بن عبد الوَهّاب ! تغييره بمعلم مَجهول قادم من مكان غَامض يضرب التلاميذ بقسوَة ، فتحدّث اولاد لفقيه السّطاهر عن نقل أختهم لقسم السّي لحبيب اللّي كان يربّح عَا بال 10 آلاف على 20 ..
أتى امحمّد بنعزّوز الرجل السياسي المتحضّر القادم من آسفي منذ الاستقلال ، بجلابيبه البيضَاء النظيفة ، صَباحاً باكراً ليخبر أبي المهتم فقط بجِماله وعيّاله وبستانه ، بأن انقلاباً عسكرياً حدث باليمن ، وأن المَلك انسللّ من سردَاب سرّي بعمق القصر يصل السّعودية ليلجأ إليها ! فأوحَت لي الفكرة كما كان يعتقد أطفال الدّوّار آنذاك بالجّامَع وعلىٰ رَأسهم المَايسترُو البّيّزّق وَلد سّي دَحّان ، الذي كان يضرب الجّرانة بالضّاية المُجاورة لخيمتهم “تا الطّرَانسي تحت الارض ” بعشَرات الأمتار ! ..بأن حبس بنيفّو العميق بدُون قرَار ، يؤدّي لمَدينة الجَديدة البعيدة ب 100 كلم مَالكية ! وكذلك تُوفري حَمّو الغازي بالمناصرَة يربط الغربية بالبَرتقيز .. وحدّث ولاَ حرَج عن جُموح خيالنا الطفولي الذي لم تكن له حُدود ولاَ ضِفاف ولاَ شُطآن ..حتى رَحمة بنت الزّنزُون التي لم تكن تستطيع فرَاق ظهر حمَارتها الشّهباء الهَرمة لتقدّمها الكبير في السنّ ، وبلوغها من الكبر عُتيّا .. اتّخذَت مَوقفاً مُناسباً لقدرتها التّخيّليّة والتّفكيرية صَباح انقلاب الصّخيرات وهي تطوف وتتسارىٰ على لݣيَع صَحبَة بنت الطّرشة ، مُوزّعة بكرَم وسَخاء لاَ نظير لهما ، لاَزمة اللّه يجعل البرَكة ! مُولانا عوين ..
ݣال لَك المَليك قتلُوه .. دَخلوا عليه البَارَح سَبع ݣنُوس !
وتَا مَن سحَيّق دَار برَيّق !
هَهههَهههَههَهه..
وكذلك انقلاب الݣذّافي في خَريف سنة 1969 على المَلك ادريس السّنوسي من أصل إدريسي مَغربي شَريف .. وَاكبناه طيلة ليلة فاتح شتنبر لتلك السنة رغم صغر سننا ! ونحن نرَاقب القمَر الأحمَر الضّخم الصّاعد من الشّرق حزيناً متسَلّلاً باستحياء شَديد ، من خلف ضَباب اللّيل الذي يسبق الفجر ، نحو الأفُق البعيد مثل طيف نبي قديم .. ونحن نسهر متحللّقين حول رَاديو من نوع Radiola بݣاعَة سي بّارك ، وقد بدَأ الخَريف يعلن عن قدُومه بهجرة الطيور نحو الشّمال ، ومرُور أسرَاب الغرنُوݣ المُخيفة في نصَاصَات اللّيل الدّامسة ، بصَوتها الأجشّ حين كنا نسميها طائر المَوت .. وتساقط أورَاق كرُوم التّين وَحبّات الكرمُوص الهَندي التي طبخَتها أشعة شَمس الصّيف القائظة ، ونَخرَتها مَناقير ومَخالب دَبابير بُوزنزَن الشّرسَة ..
درنا احنا في الدوار يوم 14 اكتوبر 63 حرب الرمال موازاة مع حرب بنبلا والحسن الثاني .. انقسم عيل الدوار من الريف الوراني والريف الݣدامي ، صنعنا النبولة من كرم جنان سي علي ولاستيك من السراول لقدام ، وبقاينا 15 يوم واحنا محاربين .. ݣاع الدوار روركناه !
مَلحُوظة :
في الصّحف وإذَاعات مصر ظللّوا يتحدّثون عن ثورة اليمَن العارمة ، وسَيل العرَم وانهيار سدّ مأرب ، وثورة بللّقيس ضد حكم سليمان ..ومحاربة عُشبة القات ، مثل عُشبة الكيف عندنا .. لكن لا زَالت دار لقمان على حالها إلى اليوم ، بل زَادت انهياراً وخرَاباً واستفحالاً ..فعن أي ثَورة يتحدّثون ؟