في خطوةٍ تاريخية تعكسُ حصيلة أكثر من رُبع قرن من الجهود الدبلوماسية المكثّفة، صوّت مجلس الأمن الدولي لصالح المقترح المغربي الخاص بآلية الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. يُشكّل هذا التصويت تتويجاً لسنواتٍ من العمل الدؤوب على مستوى الدولة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصّره الله، والذي وضع من أولى أولوياته حلّ هذا النزاع المفتعل بأسلوب سلمي ودبلوماسي، داخل إطار سيادة المملكة ووحدة ترابها الوطني.
إنّ هذا الإنجاز من شأنه أن يُشكّل نقطة تحوّل حقيقية في مسار القضية وأن يمهّد لانطلاق مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمـية في أقاليمنا الجنوبية.
خلفية دبلوماسية
منذ إعلان المبادرة المغربية للحكم الذاتي عام 2007، التي اقترحت أن تصبح الأقاليم الجنوبية منطقة تتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية على اعتبار ان الحكم الذاتي هو شكل من أشكال تقرير المصير ، سعت المملكة إلى كسب اعتراف ودعم المجتمع الدولي لهذه الرؤية كحلّ واقعي ومستدام للنزاع عبر السنوات، انضمّت العديد من الدول والمجموعات الدولية إلى هذا المسار، مؤيدةً أن المبادرة المغربية تمثّل “الحلّ الأكثر مصداقية وجدوى”.
وقد شكّلت هذه الدينامية جزءاً من استثمار ذكي للسياسة الخارجية المغربية، التي تربط بين حل النزاع، وتعزيز مكانة المملكة على خريطة التعاون الإقليمي والدولي.
نتائج التصويت والدلالات
وفقاً للمعطيات القادمة من نيويورك ، فإن التصويت في مجلس الأمن جاء بنتيجة 11 صوتاً لصالح القرار (أي تأييداً لمقترح الحكم الذاتي)، مع امتناع ثلاث دول وهي روسيا، الصين، وباكستان، فيما لم تشارك دولة الجزائر. هذا التوازن في التصويت يُعدّ دليلاً إضافياً على أن المعركة الدبلوماسية المغربية دخلت مرحلة الحسم، وأن العالم بدأ يتّجه نحو دعمٍ فعلي لمبادرتها.
إن هذا التصويت ليس مجرد خطوة إجرائية، بل رسالة قوية بأن المجتمع الدولي بات يقرّ بأن وقت التسويف أو التأجيل قد ولَّى، وأن المغرب في موقع المبادرة والمسؤولية.
كما جاء في الخطاب الملكي السامي الذي أعقب التصويت: «ما بعد 31 أكتوبر لن يكون كما قبله»، في إشارةٍ واضحة إلى مرحلة جديدة من البناء والتنمية للأقاليم الجنوبية، بعد سنوات من الانتظار والمعاناة.
مغزى الانتصار ولماذا هو تاريخي
• أولاً، إنه يوضع نهاية – أو على الأقل بداية النهاية – لـ50 سنة من الصراع المفتعل حول الصحراء، مع ما رافقها من معاناة وطنية وتوترات إقليمية.
• ثانياً، يعكس هذا الإنجاز التّعبير الأفضل عن إرادة المغاربة –من طنجةإلى الكويرة– في استعادة وحدتهم الترابية، تحت قيادة جلالة الملك.
• ثالثاً، يُفتح هذا التصويت آفاقاً اقتصادية واجتماعية كبرى أمام الأقاليم الجنوبية، حيث سيُتاحُ مناخ استثمار أفضل، تنمية متسارعة، وشراكات إقليمية ودولية قوية.
• رابعاً، يعزّز من مكانة المملكة المغربية كلاعب رئيسي في الأمن والاستقرار الإقليميَين، ويُبرهن على فعالية الدبلوماسية المغربية في تحقيق النتائج، حتى في ملفاتٍ معقّدة.
دعوة للاحتفال والعمل على حد سواء
إن هذا الظفر التاريخي يستوجب الاحتفال على كافة المستويات: جهويّاً، ووطنيّاً، ودولياً. لكن إلى جانب الاحتفال، تبقى المسؤولية كبيرة لضمان التنفيذ الميداني لمضامين الحكم الذاتي، والالتزام بانطلاق مسار تنموي فعلي في أقاليمنا الجنوبية. على المسؤولين المحليين والإدارات المركزية أن يتحلّوا بالجدية، والابتكار، والشفافية، لجعل هذا اليوم بداية فعلية لنهضة حقيقية.
كما ينبغي أن تُقدَّم رسالة واضحة للمغاربة بأن الفرح بهذه اللحظة لا يعني التراخي، بل بمثابة دافع لمزيد من العمل البناء على الأرض، لترجمة الرؤية الملكية إلى واقع ملموس.
خاتمة
في الختام، نقول إن هذه اللحظة التاريخية تُدشّن فصلاً جديداً في مسيرة المغرب. بفضل الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس – حفظه الله – وبدعم كل المغاربة الأوفياء للعرش العلوي المجيد ، استطاعت المملكة أن تستفيد من التغييرات الدولية والإقليمية، وأن تؤمّن اعترافاً دوليّاً أكبر بمبادرتها من أجل الصحراء المغربية.
اليوم، وبفعل هذا التصويت، نستطيع أن نقول: إنّ المغرب قد دخل الى مرحلة البناء الحقيقي، وانطلق نحو فتح صفحة جديدة من الطمأنينة والتنمـية في جنوبه الغالي. وعلى كل من يشارك في هذا المشروع وطنياً وجهوياً أن يستعدّ، لأن ما بعد 31 أكتوبر فعلاً لن يكون كما قبله.
