بيان الجمعية المغربية لحقوق الانسان
بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب
يخلد المنتظم الأممي، يوم 26 يونيو من كل عام، اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي تم إقراره بموجب القرار رقم 52/149 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 22 يوليو 1997، بهدف تعزيز جهود القضاء على التعذيب وتنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي دخلت حيز التنفيذ في 26 يونيو 1987.
ويشكل هذا اليوم مناسبة مهمة لدعوة الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني إلى تكثيف الجهود، لدعم ضحايا التعذيب في جميع أنحاء العالم، سواء الذين تعرضوا له سابقًا أو ما زالوا يتعرضون له. كما يؤكد على ضرورة تجديد الالتزام المستمر بالنضال من أجل القضاء على التعذيب، الذي يعتبر من أبشع الانتهاكات الجسيمة والجرائم ضد الإنسانية، لما له من آثار مدمرة تمتد إلى أسر الضحايا والمجتمعات بأسرها، خصوصًا عندما يمارس بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع.
وبالرغم من التقدم المحرز في التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب من طرف أغلب البلدان والبروتوكول الاختياري الملحق بها، فإن هذه الجريمة الوحشية لا زالت تمارس في أغلب بلدان العالم، وتمس أساسا المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنساء، والمهاجرين وطالبي اللجوء، وضحايا النزاعات المسلحة، والأشخاص الذين يعيشون في مراكز الاحتجاز ومراكز الرعاية الاجتماعية، والمتهمين في قضايا الإرهاب، الأفراد منهم كما الجماعات؛ بسبب آرائهم السياسية والفكرية، أو الاختلافات العقائدية، أو الإثنية أو الميول الجنسية… ولاتزال ظاهرة إفلات مرتكبي جرائم التعذيب منتشرة على نطاق واسع، مما يشجعهم على الاستمرار في ذلك.
ويأتي تخليد هذا اليوم هذه السنة في ظل جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع وكل اصناف الجرائم ضد الإنسانية، التي يمارسها نظام الأبارتهايد الصهيوني الاستعماري بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وتصاعد عمليات الاغتيال والاعتقال والاختطاف التي طالت عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يتعرضون بشكل متزايد وممنهج لجرائم التعذيب الوحشي بجميع أشكاله، خاصة بين الأسرى والأسيرات. وقد ارتفع عدد الشهداء الذين سقطوا تحت التعذيب في سجون الاحتلال منذ بداية جرائم الإبادة الأخيرة إلى 64 شهيدًا، وفقًا لما أعلن عنه نادي الأسير الفلسطيني.
كما تشهد الساحة السودانية تصاعدًا مأساويًا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث تعرض المدنيون، بمن فيهم النساء والأطفال، لأشكال مروعة من التعذيب وسوء المعاملة، إلى جانب حالات واسعة من الاغتصاب والعنف الجنسي، لاسيما في مراكز الاحتجاز المؤقت داخل المخيمات. وتُسجَّل هذه الجرائم في ظل إفلات تام من العقاب، وانعدام الحدّ الأدنى من آليات الحماية والمساءلة؛ وهو ما يفرض على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مسؤولية التدخل العاجل لحماية الضحايا، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الممنهجة.
وبهذه المناسبة تؤكد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مجددا على أن المغرب رغم تصديقه على اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الملحق بها واحداثه للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، ورغم التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية لحقوق الإنسان (التعاقدية أو غير التعاقدية، أو تلك الصادرة عن الاستعراض الدوري الشامل)، التي توصي الدولة المغربية بضرورة اتخاذ تدابير صارمة لاستئصال التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعلى احترام تعهداته بهذا الخصوص، فإن التعذيب وسوء المعاملة، لا يزالان قائمين ويمارسان من طرف مختلف الأجهزة الأمنية للدولة؛ سواء أثناء الحراسة النظرية، أو في السجون أو خلال المظاهرات السلمية.
هكذا تسجل الجمعية، بقلق بالغ، ما يلي : استمرار توارد الادعاءات بالتعرض للتعذيب وغيرها من ضروب سوء المعاملة، في مخافر الدرك والشرطة، وأحيانا بمقرات السلطات العمومية، ووقوع وفيات في ظروف غامضة أثناء الاحتجاز وداخل السجون، والاستخدام المفرط وغير المشروع واللامتناسب للقوة من طرف القوات العمومية أثناء تفريق الوقفات والمظاهرات والمسيرات السلمية للحركات الاجتماعية والحقوقية، أو في السجون التي تشهد اكتظاظا شديدا، أو أثناء منع المهاجرين/ات واللاجئين/ات، من العبور إلى الضفة الأخرى، أو أثناء استعمال السلاح الوظيفي من طرف الأشخاص الساهرين على إنفاذ القانون دون احترام المقتضيات القانونية والضرورة؛
عدم إجراء خبرات طبية وتحقيقات فعالة بشأن جميع ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، وتجاهل الشكايات التي قدمتها الجمعية بخصوص هذه الانتهاكات، خاصة تلك المتعلقة بما تعرض له معتقلو حراك الريف، والأحداث المأساوية التي شهدها المعبر الحدودي بين الناظور ومدينة مليلية المحتلة، إلى جانب الوفيات المسجلة داخل السجون، وغيرها من الشكايات ذات الصلة؛
استمرار تقصير الدولة المغربية في ملاءمة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مع الالتزامات المترتبة عن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب، فيما يتعلق بتعريف التعذيب. إضافة إلى التأخر في التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وعليه فإن المكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ يدين كل جرائم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، يجدد دعمه ومساندته لكل ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، ويطالب ب :
ضرورة احترام الدولة لتعهداتها الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري الملحق بها، وذلك من خلال تنفيذ توصيات لجنة مناهضة التعذيب والمقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وسوء المعاملة، إلى جانب الالتزام بقرارات الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، التي تدعو إلى الإفراج عن عدد من المعتقلين وتعويضهم. كما يُثمَّن تصديق الدولة على التوصية الأممية الداعية إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام؛
الإعلان الفوري عن نتائج التحقيقات التي تزعم النيابة العامة فتحها في العديد من قضايا التعذيب والوفيات الغامضة؛ سواء داخل مخافر الشرطة أو المؤسسات السجنية، أو أثناء نقل المحتجزين من السجن أو المخفر إلى المستشفيات، مع ضرورة ترتيب الآثار القانونية المترتبة عن هذه التحقيقات؛
الإسراع بتقديم التقرير الدوري الخامس إلى لجنة مناهضة التعذيب، طبقًا للمادة 19 من الاتفاقية، والعمل على تدارك التأخر الكبير الذي تجاوز عشر سنوات، مع نشر تقرير اللجنة الفرعية لمنع التعذيب عقب زيارتها للمغرب في الفترة ما بين 22 و28 أكتوبر 2017؛
مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، في إطار تشاور فعلي وجدي مع المنظمات الحقوقية، بهدف ملاءمتها التامة مع مقتضيات البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، ومع مبادئ اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بشأن الآليات الوقائية الوطنية، وضمان تمكين هذه الآلية من صلاحيات واضحة وفعالة، لا سيما حق القيام بزيارات مفاجئة لجميع أماكن الاحتجاز دون استثناء؛
إجراء مراجعة شاملة للقانون الجنائي قصد ملاءمته مع اتفاقية مناهضة التعذيب، بما يضمن :
اعتماد تعريف دقيق وكامل لجرائم التعذيب، يتوافق كليًا مع التعريف الوارد في الاتفاقية وحظر التعذيب؛
عدم الافلات من العقاب في جرائم التعذيب، ووجوب إلغاء التقادم على ممارسة التعذيب؛
تناسب العقوبات المطبقة على جريمة التعذيب مع خطورة هذه الجريمة؛
ضمان حماية المبلغين والضحايا بتوفير الحماية القانونية للمشتكين، الشهود والمبلغين ضد التعذيب من أعمال الانتقام والتخويف، بما في ذلك التهديد بتوجيه اتهامات مضادة في حقهم؛
وضع حد لأي شكل من أشكال الاحتجاز غير القانوني للأشخاص، وإنشاء سجل وطني للمحتجزين يتاح لأسرهم ومحاميهم؛
تطبيق العقوبات الجنائية المستحقة على المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن ارتكاب أفعال التعذيب؛
إلغاء قانون الإرهاب 03/03، مع وضع تعريف واضح للإرهاب، منسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛
إلغاء التقادم عن جرائم التعذيب وضمان عدم الإفلات من العقاب؛
مراجعة الإطار المنظم للطب الشرعي وملاءمته مع المعايير الدولية، وسد النقص الحاصل في عدد الأطباء المتخصصين في الطب الشرعي؛
مراجعة قانون المسطرة الجنائية لتتوافق مع المعايير الدولية، وبما يضمن صيانة حقوق الموقوفين/ات والمعتقلين/ات منذ لحظة التوقيف، وخاصة الحق في الاتصال بالأسرة أو بأي شخص يختارونه، والحقهم في الاتصال بمحام، مع ضمان حصول جميع المحتجزين/ات على مساعدة قانونية وقضائية مجانية طوال مراحل التقاضي؛
تقوية أسس وضمانات المحاكمة العادلة وإجلاء الحقيقة في قضايا التعذيب، من خلال ضمان عدم قبول المحاكم لأي اعترافات منتزعة تحت التعذيب أو سوء المعاملة، بالإضافة إلى إخضاع القضاة والنواب العامين والمحامين والأطباء لبرامج تكوينية متخصصة في الكشف عن حالات الاعترافات التي تُنتزع بالتعذيب؛
إلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها أشد أشكال التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وتحويل الأحكام الصادرة بها إلى عقوبات سجن محددة، مع تحسين ظروف السجناء.
فتح تحقيقات شفافة وفورية حول مزاعم التعذيب الناتجة عن الاستخدام المفرط للقوة أثناء فض لتظاهرات السلمية أو ما يسمى بالتعذيب وسوء المعاملة غير الاحتجازيين؛
إدراج حظر التعذيب في برامج التربية والتكوين، وكذا في برامج التكوين والتكوين المستمر للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أو غيرهم ممن تكون لهم علاقة بالاحتجاز كما هو وارد في المادة 10 من الاتفاقية؛
تمتيع جميع ضحايا التعذيب وسوء المعاملة بالحق في جبر الضرر وإعادة التأهيل الطبي والنفسي والاجتماعي لهم ولأسرهم، مع الكشف عن الحقيقة في كل ملفات الاختطاف القسري بما فيها الملفات العالقة؛
إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف وضحايا حرية الرأي والتعبير، من صحافيين ومدونين/ات ونشطاء حقوق الإنسان والحركات الاجتماعية، ووضع حد لكل المتابعات الأمنية والقضائية بسبب ممارسة حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي.